بكل ثقة وجدارة ،أستطيع أن أطلق على حج هذا العام 2024 صفة الحج الرقمي، أو الحج الذكي ، حيث أن هذا التجمع السنوي الضخم ،يطرح تحديات لوجستية متعاظمة متعددة الأبعاد : أمنية وصحية وبيئية ومعيشية ،ويتطلب ذلك بالضرورة التعامل معها على أرقي وأدقّ المعايير العالمية لإدارة الحشود الضخمة أو ما أسميها بمواكب الحجيج .
بل التحدّي الذي تواجهه المملكة كل عام ،هو التعامل مع تجارب وخبرات الأعوام الماضية لإدارة الحج من منطلقات التقدم والتطور التكنولوجي السريع والذي يفرض عليها إستخدام التقنيات الرقمية بل يجعلها ضرورة قاطعة لإدارة هذا الحدث بكفاءة وفعالية قصوى.
في الماضي كانت إدارة الحشود تعتمد على الجهود البشرية والإجراءات والنظم اليدوية وردود الأفعال الميدانية للأحداث ، ومع إزدياد أعداد الحجاج السنوية وتحدياتها ، ظهرت الحاجة الى حلول ذكية إستباقية وفورية ، وهذا لا يتأتى الا من خلال تقنيات متقدمة لتحسين إدارة الحشود وتجربة الحجيج المواكبة للأحداث ضماناً للأمن والسلامة بكل أبعادهما.
خلال حج هذا العام ، تم إستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي وإنترنت الأشياء والتعامل مع البيانات الضخمة وتحليلها لتدفقات الحجاج والتنبؤ بالإزدحامات في مختلف المواقع ، وإستخدام الكمرات الحرارية الذكية وأجهزة الإستشعار وإرسال البيانات الى مراكز التحكم لإتخاذ القرارات الإستباقية والفعالة لتوجيه الحشود.
كما أن تطبيقات الهواتف الذكية لعبت دوراً كبيراً في الإرشاد والمساعدة وتوفير معلومات المناسك والخرائط التفاعلية ومواقع الخدمات الصحية والتطبيب عن بعد والترجمة الفورية الخ.
ويعتبر جانب الأمن والسلامة، محوريا في إدارة الجح والحجيج ، حيث تم إستخدام طائرات الدرونز لمراقبة الأوضاع الأمنية ، ووصولها إلى الأماكن الصعبة للحصول على صور حية وإرسالها لمركز التحكُّم ، وكذلك تم توظيف تقنيات البايوميترية للتعرف على الوجوه والتأكد من الهويّات الشخصية.
ولم يقتصر الأمر على تلك التقنيات ، بل تعداه إلى تقنيات أخرى مثل الطاقة الشمسية وإعادة تدوير المياه ونظافة البيئة وإنشاء طرق للمشاة من الأسفلت المرن والمبرد الخ.
وبالرغم من كل ذلك ، فهناك تحدّيات مستقبلية تتعلق بالبنى التحتية والتكلفة والوعي التكنولوجي وتدريب العاملين والإستخدامات الفعالة من قبل الحجاج لضمان إستفادتهم القصوي من تلك التقنيات.
طموحات القيادة السعودية لا يحدّها عنان المستحيلات.