اجتماعية مقالات الكتاب

عِشْ اللحظة وصوِّر

يمكنني خلال ثلاث ساعات في المناسبات السعيدة أن اقتنص بين كل خمسة عشر دقيقة ،عشرين ثانية لتصوير مشهد احتفظ به في هاتفي كذكرى للعمر والأيام والمستقبل، في الوقت الذي أعيش فيه الحدث واستمتع به، وكلما زاد عدد الساعات زادت الصور والذكريات ولهذا تعتبرني عائلتي مخزون الذكريات الذي تعود إليه كلما تكلمنا عن حدث وتذكّرنا فيه كيف كنا نشعر.

حدث هذا الأمر في زفاف شقيقتي الذي عشت فيه السعادة ، فيما قمت بتصوير الذكريات بكل البهجة التي أحملها داخلي، فيما استنكرت الصغرى نفسها وأحزنها، أنها لم تقم بتصوير لو صورة واحدة تجمعها بالعروس ، لأنها أرادت أن تعيش الحدث بكامل تفاصيله، مما أدخلنا في نقاش هل الإمساك بالهاتف وتكرار التصوير يسرق منّا عيش الحدث واللحظة، أم هو أمر مرغوب لتخليد الذكرى واستعادة ما نشعر به كلما نظرنا إليها؟

للإجابة على هذين الخياريْن، علينا أن نعرف الوقت المستغرق في الإمساك بالهاتف، فإن كان طيلة الوقت، فهنا سيكون فيه فوات العديد من اللحظات الحقيقية والمشاعر التي تصاحب تلك اللحظة، أمّا إن كان بصورة متوازنة ، فهذا أمر مُستحب، لأننا في يوم سننسى اللحظة ، وحين نقلِّب في الصور وننظر إليها، نستعيدها لأنه تم تخليد تلك اللحظات العابرة، سواء كان حفلة زفاف، أو لقاء أصدقاء، أو نزهة بسيطة في الطبيعة مع العائلة، تصبح تلك الصور الملتقطة ذكريات عزيزة تنقلنا إلى تلك الأوقات. فبمجرد النظر إليها تثير مشاعرنا حينها، وتشعل الحنين، وتعيد شعورنا بالارتباط بماضينا، وتذكيرنا باللحظات التي نعتز بها. فالصور التي نلتقطها في عشر أوعشرين ثانية ، تسمح لنا بحفظ الذكريات وسرد القصص من خلالها ، فيما نتبادلها مع من لم يكن حاضرًا بيننا ، خصوصًا مع التطوير التقني الذي حدث وجعل الحدث يصل لمن أبعدته المسافة عن رؤيته.

لكن رغم شاعرية التصوير وجمالية ذكرياته، إلا أن الإنشغال به كأمر أساسي دون الالتفات للحدث ، يفقدك الكثير من المشاعر التي تقطعها الكاميرا، فربّ ابتسامة أو التقاء عينيْن ببعضها ، تعادل الكثير من الصور، فالدهشة الحقيقة تصلنا بصورة مباشرة وهذا ما لا تفعله الصور، بالإضافة إلى ان البعض يفضِّل التصوير على الجلوس والحديث ، وهذا غالبًا يتكرَّر في المقاهي والمطاعم، حين يكون التقاط الصورة أهم من مجالسة الشخص الذي تشاركه الطاولة، فتبرد القهوة وتذهب حرارة اللقاء ، لأن احترافية الصورة أخذت وقت الحديث وتبادل الكلام حتى تظهر للعين فائقة الجمال بكواليس صامته أخفت متعة اللحظة والحديث والحدث.

‏‪@i1_nuha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *