جدة – ياسر خليل
شخصيات غريبة الأطوار، لا تأخذ برأي الآخرين، وتصر على آرائها- وإن لم تكن على صواب- فـ”النرجسيون” يفرضون ما يريدونه على المجتمع؛ لذلك حذر مختصون عبر “البلاد” من التعامل بحذر معهم، لأنهم يسعون لفرض آرائهم وعدم تقبل الرأي الآخر، مؤكدين أن هناك عوامل متعددة قد تؤثر في تكوين الشخصية النرجسية، ومن المهم النظر إلى الصورة الكاملة، والأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى المحتملة.
وتقول الأخصائية الاجتماعية مي الطفيل: الشخصية النرجسية تتمحور حول ذاتها فقط، ولا يمكن من يتصف بها أن يرى بأنه على خطأ، وتتصف أيضاً بالتلاعب والأذى لتحقيق مطالب خاصة؛ لذلك علينا أن نختصر مسألة النقاش معها في حال حدوث مشكلة، ونستبدلها بالتجاهل أو المواجهة التي نضع بها حداً، ونثبت بها ما سيكون عليه الأمر وليس للمناقشة.
وقالت مي: عندما نواجه مشكلة، تم افتعالها من قبل النرجسي؛ فإن التصرف السليم هو تجاهله، وعدم التعامل معه بأي ردة فعل، لأن هدف الشخص النرجسي هو إغضاب من هو أمامه واللعب بمشاعره وتدميره؛ ليشعر بأنه أقوى وأفضل منه، فإذا قام الشخص بالدخول معه الشخص في الاتجاه ذاته، سيؤثر ذلك عليه بشكل سلبي؛ لأن رد الفعل يمكن أن لا يشبه أخلاق الفرد ومبادئه، ما يؤثر عليه في أمور حياته كافة.
وأكدت الطفيل أنه على الأشخاص إدراك أهداف النرجسي؛ لتجنب الصدام معه في أي موقف مستقبلاً؛ إذ يريد النرجسي أن يحبط ويسقط الآخرين، لكي يتسنى له أن يتلاعب بالفرد كيفما يشاء، وبالتالي يشعره هذا التصرف بأنه الأفضل، ولأنه يشعر دائماً بالنقص؛ فالاستحواذ على حياة شخص آخر والتصرف التام بها يسد نقصه، لذلك علينا عدم فتح نقاش معه حول مختلف المواضيع.
وخلصت مي إلى القول: يجب أن يركز الفرد على حياته ولا يسمح له أن يقوم بتشكيله كما يريد، واللعب بمبادئه الخاصة، فكل شخص يملك مبادئ وقيمًا خاصة به، ولا يسمح لأي شخص بالتعدي عليها.
وفي السياق ذاته، يتناول الأخصائي الاجتماعي صالح هليّل، جانب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشخصية النرجسية، قائلاً: لا يمكننا التأكيد بشكل قطعي على العلاقة السببية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار حالات الشخصية النرجسية، فعلى الرغم من أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يسهل عرض الذات والتفاخر بها، إلا أن هناك عوامل أخرى قد تلعب دورًا في تكوين الشخصية النرجسية؛ مثل البيئة الاجتماعية والتربية والعوامل الوراثية.
وأضاف: يجب أن نتذكر أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يعتمد على الأفراد وكيفية استخدامهم لهذه الوسائل؛ إذ يمكن لبعض الأشخاص النرجسيين استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لعرض ذواتهم وجذب الانتباه، ولكن هذا لا يعني أن جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هم أشخاص نرجسيون. ويختتم هليّل حديثه بقوله: من الصعب القول بوضوح أن التواصل الاجتماعي هو السبب الرئيس في انتشار حالات الشخصية النرجسية، فهناك عوامل متعددة قد تؤثر في تكوين الشخصية النرجسية، ومن المهم أن ننظر إلى الصورة الكاملة ونأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى المحتملة.
إلى ذلك، تقول الأخصائية الاجتماعية يارا مختار: الشخصية النرجسية هي من الشخصيات التي تعاني من اضطرابات الشخصية، وهي تعود لسبب تسمية النرجسية بهذا الاسم استناداً للأسطورة اليونانية نرسيسوس أو نرجس الذي وقع في حب انعكاس صورته، وتم اعتباره نوعاً من أنواع اضطرابات الشخصية، وأطلق عليه اضطراب الشخصية النرجسية.
وتابعت يارا: النرجسية تعني أنها أحد اضطرابات الشخصية التي يتبع فيها الشخص نمط حياة أنانيًا، يضع فيها احتياجات الذات فوق احتياجات الآخرين، ويتوق إلى اهتمام وإعجاب الآخرين به والسيطرة عليهم، وعدم التعاطف بهم وأذيتهم والتلاعب بهم للحصول على ما يريده.
ونوهت إلى أن خطورة النرجسية تكمن في أن المصابين بهذا الاضطراب عادة، لا يبحثون عن العلاج؛ لعدم إدراكهم بأن ما يمرون به من مشاكل هي نتاج سلوكياتهم، بل قد يلقون اللوم على الآخرين، كما أنهم لا يقبلون النقد، ما يجعل من الصعب على الآخرين توجيههم للعلاج، وغالباً ما يتم تشخيص هذا الاضطراب في البالغين، وليس في مرحلة الطفولة أو المراهقة، فبالرغم من احتمالية ظهور علامات مبكرة للنرجسية على المراهقين، إلا أن الطفل أو المراهق لا يزال في مرحلة تطور الشخصية ونضجها، فلا يمكن الحكم بشكل قطعي على استمرار هذه السلوكيات، ولكن قد يُشخص هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة أو المراهقة في بعض الحالات إذا استمر النمط السلوكي بوضوح على الشخص مدة أكثر من عام.
وأكدت يارا أن التعامل مع الشخص النرجسي يتطلب الكثير من المهارات العاطفية المختلفة والأكثر تطورًا؛ حيث إن وجود شخص نرجسي في حياة الشخص قد تكون أمرًا محبطًا أو صعبًا عاطفيًا، ويجب التعامل مع النرجسيين بأحد الطرق التالية؛ تثقيف النفس، وتحديد نوع النرجسي، والهدوء، ووضع حدود، وتعزيز الثقة بالنفس، والانخراط في علاقات صحية، والمرونة، والابتعاد بعدم التمسك في الشخص النرجسي، وأخيراً يجب التثقيف الذاتي، وأن يكون لدينا الوعي الكافي للاضطرابات الشخصية؛ ومن ضمنها اضطراب وداء النرجسية، لأن أغلب ضحايا الأمراض النفسية سببها يأتي من تأثير النرجسية، خصوصاً من دائرة العلاقات المقربة الشخصية، ومن علاقات العمل؛ لذا الوقاية خير من العلاج.