متابعات

الكندي.. عالم الأرصاد الجوية والمد والجزر

عبدالله صقر – مركز المعلومات

لم يكن موضوع المد والجزر ليفوت فيلسوف العرب الأول” أبو إسحاق الكندي” فقد أفرد له رسالة كاملة لمناقشة سبب هذه الظاهرة، وقدَّم نظريته الخاصة بذلك. وقد شرح وعلق وترجم هذه الرسالة إلى اللغة الألمانية مؤرخ العلوم الألماني إيلهارد فيدمان.

قدم الكندي نظرية عن المد والجزر” تعتمد على التغيرات التي تحدث في الأجسام؛ بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانخفاضها.” ولدعم حجته قدم وصفًا لتجربة علمية على النحو التالي:

(ويمكن للمرء أيضًا أن يلاحظ بالحواس… كيف يتغير الهواء إلى ماء نتيجة البرودة الشديدة. وللقيام بذلك يأخذ المرء قنينة زجاجية، ويملأها بالكامل بالثلج، ويغلق نهايتها بعناية. ثم يتم تحديد وزنه عن طريق الوزن. واحد يضعه في وعاء… الذي سبق وزنه. ويتحول الهواء على سطح الزجاجة إلى ماء، ويظهر عليها مثل القطرات الموجودة على أباريق كبيرة مسامية، بحيث يتجمع داخل الوعاء كمية كبيرة من الماء تدريجيًا. ثم يزن الزجاجة والماء والوعاء فيجد وزنهم أكبر من السابق مما يدل على التغيير. […] يرى بعض الحمقى أن الثلج ينضح من خلال الزجاج. هذا مستحيل. لا توجد عملية يمكن من خلالها جعل الماء أو الثلج يمر عبر الزجاج). وفي بيان السبب الطبيعي للريح، واختلاف اتجاهاتها بحسب الزمان والمكان، كتب: (وعندما تكون الشمس في ميلها الشمالي تسخن الأماكن الشمالية ويكون الجو بارداً في اتجاه الجنوب. ثم يتمدد الهواء الشمالي باتجاه الجنوب بسبب الحرارة بسبب انقباض الهواء ال جنوبي. ولذلك فإن أغلب رياح الصيف فضل وأكثر رياح الشتاء ليست كذلك).

العلَّة الفاعلة للمد والجزر عند الكندي
ألف الكندي رسالته الشهيرة في المد والجزر، وقد أسماها رسالة يعقوب بن إسحاق الكندي إلى بعض إخوانه في العلَّة الفاعلة للمدِّ والجزر. وتوجد نسخةٍ مخطوطة من هذه الرسالة في مكتبة آيا صوفيا.
في الواقع تُعَد رسالة الكندي هذه واحدةً من أهم رسائله؛ إذ بدأ فيها الكلام عن المد وأنواعه — الطبيعي والعَرَضِي — واستطرد من ذلك إلى الكلام عن عيون الماء وأنواعها، وكيفية تكوينها، وعن أنواع المياه الظاهرة على وجه الأرض والباطنة فيها، وعن أحوالها وقوانين نشأتها واستحالتها، ثم تكلَّم عن بعض الأجرام السماوية وسُرعتها وأحجامها وبُعدها عن الأرض، وعن فعلها فيما على ظهر الأرض، ويتكلَّم عن المد وأنواعه وأنواع الاضطراب الناشئة في المياه البحرية والبرية؛ بسبب التعفُّن والنَّتَن، وينتهي بالكلام عن المد والجزر بمعناهما العادي.

تحدث الكندي في رسالته عن المد والجزر حيث قال:« فإن القمر إذا صار في مشرق موضع كان أول وقوع ضوئه عليه، فابتدأ في الحمي وقبول الزيادة في الأجزاء. إلا أن [ذلك] أظهر ما يكون في الماء؛ فكلَّما علا، كان حمي ذلك الموضع له أشد، حتى يصير في وتد سمائه. فهو نهاية قبول ذلك [الموضع] للحرارة، لحركة القمر، ونهاية مده؛ لأن الأجرام كلما حميت احتاجت إلى مكان أوسع، كما قُلنا متقدمًا. فإذا انحدر عن ذلك الموضع الذي هو وسط السماء، نقص حر الموضع من الأرض المنفعل به.»
ذكر الكندي في رسالته «في العلة الفاعلة للمد والجزر» أسباب المد والجزر وأنواعه، فعرف نوعين من المد:
الأول: المد الطبيعي وعرفه بأنه: «استحالة الماء من صغر الجسم إلى عظمه.
والثاني: المد العَرَضِي وعرَّفه بأنه: «زيادة الماء بانصباب مواد فيه»، كما في حالة الأنهار والأودية والفيوض التي أصلها من الأنهار، وأشار إلى أن مثل هذا المد لا تظهر فيه زيادة، وذلك لصغر كمية المياه المضافة إليه من الأنهار وغيرها، بالمقارنة مع مياه البحار، وكذلك بسبب البخر الواقع لها.


وقد قسم الكندي المد الطبيعي إلى ثلاثة أنواع” سنوي وشهري ويومي”.
فأما المد السنوي وهو الزيادة في مياه البحار في وقتٍ مُحدَّد من السنة في موضع دون موضع، حسب حركة الأجرام السماوية. والثاني المد الشهري، وهو يحدث حسب تغير أوضاع القمر في دورانه حول الأرض
وأما الثالث، فهو المد اليومي وهو واقع لتأثير ضوء القمر عليه، فيبتدئ مده مع طلوع القمر عليه، ويبتدئ جزره حين يبتدئ زوال القمر عن سمت رؤوس أهله.
يرى مؤرخ الجغرافيا العربية أغناطيوس كراتشكوفسكي «مع أن نظرية الكندي في المد والجزر تستند على أفكار خاطئة، إلا أنه من الطريف ملاحظة أنه قد اعتمد على الملاحظة والتجربة العلمية ليثبت صحتها».

رأي الكندي هذا سيتبعه روبرت غروستيست (توفي 1253) بشكل أو بآخر في رسالته عن المد والجزر، ولكن لم يستطع غروستيست أن يصل إلى مستوى الكندي، مع أن بينهما أكثر من 400 سنة؛ حيث إن المطلع على رسالة غروستيست يجد أن العبارات الفيزيائية عنده لم تصل إلى غايتها، كما هي عند الكندي، فهو يعتقد أن أشعة القمر تُسبب، عن طريق توليد الأبخرة والرياح في مياه البحر، ما يؤدي إلى الزيادة في الحجم.

مؤلفاته
وفقًا لابن نديم، كتب الكندي على الأقل مئتين وستين كتابًا؛ منها اثنان وثلاثون في الهندسة، واثنان وعشرون في كل من الفلسفة والطب، وتسع كتب في المنطق واثنا عشر كتابًا في الفيزياء،
بينما عدّ ابن أبي أصيبعة كتبه بمائتين وثمانين كتابًا. على الرغم من أن الكثير من مؤلفاته فقدت، فقد كان للكندي تأثير في مجالات الفيزياء والرياضيات والطب والفلسفة والموسيقى استمر لعدة قرون، عن طريق الترجمات اللاتينية التي ترجمها جيرارد الكريموني، وبعض المخطوطات العربية الأخرى، أهمها الأربع وعشرون مخطوطة من أعماله المحفوظة في مكتبة تركية منذ منتصف القرن العشرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *