اجتماعية مقالات الكتاب

من الإنسان الاجتماعي إلى الرقمي

منذ أنْ خلق الله الإنسان وهو في حالة تطور مستمر في حياته الإجتماعية حتى وصل لطفرة التكنولوجيا، وأوجد حالة من التفاعل معها حتى أصبح آلة روبورتية رقميّة، وكل ما يفكر فيه الإنسان ويتخيله سهل التحقّق في الفضاء الرقميّ السريع، فقد يتحول في أي لحظة إلى واقع محقق من حياته؛ لأن التقنيات الرقميّة هي نتاج فكره وتخيله، هذا يعني أنه قادر على صناعة التقنيات الرقميّة بشكل أساسي وفطريّ واستخدام الأجهزة الذكية والحواسب اللوحية بشكل حاسم.

من الملاحظ اليوم أنّ الإنسان أصبح في حيرة من أمره بين عالمين: عالمٍ اجتماعيّ بكل أدواته ومقوماته، وعالمٍ رقمي بكل تقنياته وتطبيقاته، لكن التساؤل: أيهما سينتصر وسيؤثر في الآخر: الاجتماعيّ أم الرقميّ؟ وهل سيبقى صراع التوازن بين هذين العالميْنِ؟

غزت تقنيات الذكاء الاصطناعيّ الرقميّة كل العلوم دون استثناء حتى العلوم الإنسانية التي تتكون من مجموع العلوم والاختصاصات التي تتناول النشاط الإنسانيّ، حتى وصل علم الجريمة الذي تحول من التقليديّة/الواقعيّة إلى الجرائم الإلكترونيّة، وأصبح حلها نصًا قانونيًا إلكترونيًا، وكما غيرت التقنيات الرقميّة طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تحكمها القيم والعادات والتقاليد والأعراف حتى أصبحت تسير ضمن تقنيات ذكية، أي انتقال الإنسان الكائن المتفاعل اجتماعيًا إلى الإنسان الآلي الذي تحكمه شريحة مشفرة إلكترونيّة رقميّة ، وبذلك انتقل الإنسان من مجتمع قائم على علاقات اجتماعية مباشرة بين الأفراد إلى مجتمع يقوم على علاقات تتوسطها وسائط إلكترونيّة، وتحول المفهوم التقليدي للرابط الاجتماعيّ والعلاقة الاجتماعية لتؤسس طرحًا جديدًا في مضمونه الإنسان الرقمي ، اغترب فيه التفاعل الاجتماعيّ مع الأقارب والجيران في المجتمع الرقمي، وخلق تفاعلات جديدة بعيـدة عـن التنمـيط المفروض من الجماعة الأولية التقليدية؛ مما أدى إلى بروز الهُوية الفردية بدل سيطرة الهُويـة الجماعية الاجتماعية، إضافة إلى ذلك كشفتْ قلة اللقاءات الاجتماعية المتفاعلة بشكل مباشر ظهور مشاعر إلكترونيّة وتفـاعلات أسـرية رقميّة، مما يعني رقمنـة التفـاعلات الاجتماعية، وبالتالي تغيير طبيعة الهُوية الذي يحملها الإنسان في تفاعلاته اليومية.

أخيراً:
إن الإنسان لم يبقَ أسير العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تنحصر في “الأسرة والجيرة والصداقة”، بل شكّل تفاعلات اجتماعية أخرى ازدادت انتشارًا بظهور المجتمع الرقميّ من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ التي انتقلت بسببها كثير من العلاقات إلى الواقع، وأصبحت تفاعلات اجتماعية حقيقة؛ وهذا ما يفسر أنّ المجتمع الرقميّ أثّر على تفاعلات الإنسان الاجتماعية، لكن ذلك لم يمنع الإنسان من حمل هُويات إجتماعية تقليدية متعددة، وهذا كله يعود إلـى طريقة تفاعله مع معاني المضمون الإجتماعيّ والثقافيّ للفضاء الرقميّ ، ونشير هنا أننا مع التطور الرقميّ شريطة أن يحافظ على إرثنا الاجتماعيّ، ويحمي موروثنا الثقافيّ الذي يخدم الإنسان الاجتماعي على هذه الأرض بكل الطرق الذكية.

shadyalkafarna@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *