البلاد ــ الرياض
تكشف الآثار الباقية عن حقبة موغلة في القدم احتضنت فيها أجزاء من شبه الجزيرة العربية ” النعام العربي” الذي عُرف عن بقية سلالته حول العالم بقدرة تحمله للظروف المناخية، فقد استوطن قبل أن ينقرض على أقل تقدير قبل نصف قرن، الشعاب والمناطق الرملية بالجزيرة بدلالة قشور بيضه التي عُثر عليها خاصة في الربع الخالي، بجانب مسميات بعض المواضع بـ “نعام”، والنقوش الأثرية، وحضور هذا الطائر ورسمه في أشهر مؤلفات الأدب العربي، وهما كتاب الحيوان للجاحظ وكتاب لسان العرب لابن منظور.
وأطلق العرب على ذكر النعام اسم ” الظَّلِيمُ ” وجمعه ظلمان، فكان ” الظليم العربي ” يتسم بالسلوك العدواني خاصة في فترات التزاوج، وقدر طوله بين 450–530 مم، وكان صيداً يؤكل لحمه وينتفع بجلده وريشه في بعض الصناعات اليدوية.
وعُرف ” النعام العربي” خارج حدود موطنه الأصلي، فكان وليمة غير معتادة في حضارة بلاد الرافدين ، كما اتخذ من شكله رسماً لتجميل الأواني، وتداول المسمى في النصوص اليونانية في الحقبة الأشورية، في وقتها كان النعام يصدر لبلاد الصين حياً ويقدم هدية قيمة لإمبراطورها، وذكر عن أهل تلك الناحية انهم امتطوه لقوة رقبته وصلاتها وسرعته. وجاء في وصف بيئة” النعام العربي” وانتشاره سابقاً في الجزيرة العربية ما قاله الرحّالة البريطاني ويليام جيفورد بلجريف، خلال جولته عام 1862م في وادي السرحان – شمال غرب المملكة – : ” شاهدنا في هذه المنطقة قطيعاً كبيراً من النعام، والنعامة هي أحسن الطيور التي تعيش على سطح هذه الأرض، كما أنها أصعب الطيور فيما يتعلق بالاقتراب منها، وعندما شاهدنا النعام من بُعد وهو يجري واحدة إثر أخرى في صف طويل، ظهر وكما لو كانت حياته تعتمد على هذا الصف، فاعتقدناها مجموعة من الجمال المذعورة “، مضيفاً :” اصطياد بعض القبائل له نظراً للإقبال على شراء ريشه”.
ولا تزال بقايا بيض النعام متناثرة في صحاري الجزيرة العربية، فقد جمع المستعرب عبدالله فيلبي بعض القشور خلال حلته للربع الخالي عام 1931م، ، وعلى خطاه جمع أعضاء رحلة “إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية” بقيادة المستكشف مارك إيفانز وعدد من الباحثين مطلع هذا العام 2023 م على بعض القشور في نفود قلقان، كما تنتشر بقايا القشور في محمية عروق بني معارض الواقع على الحافة الجنوبية الغربيّة للرّبع الخالي؛ على مساحة 12787 كيلومتراً مربعاً.
وتعزيزاً للجهود الوطنية في صون البيئة ومكوناتها يعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على إكثار النعام أحمر الرقبة الأفريقي – أقرب سلالة للنعام العربي – في المركز لإعادة توطينه في المحميات الطبيعية، حيث ترتع أعداد كبيرة منها بعد توطينها في محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية على بعد 180 كيلومترا شمال شرق مدينة الطائف، وتبلغ مساحتها 2240 كيلومترًا مربعًا ، واستقبلت أول الفراخ المنتجة طبيعياً في شهر فبراير عام 1997م، في حين عمل المركز على إطلاق 287 طائرًا من النعام أحمر الرقبة في بعض المحميات القائمة التابعة للمركز والمحميات الملكية ضمن برامج إعادة التوطين.
ويعد بيض النعام الأكبر والأثقل مما جعله يتحمل عوامل التعرية الطبيعية على مر السنين، وتضع أنثى النعامة ما بين 30 و50 بيضة على مدار السنة، ويصل وزن البيضة الواحدة إلى 1.5 كيلوغرام.