في تجربته الشعرية وعن الصيام في شهر رمضان، خارج الوطن الكثير من العواطف الجيَّاشة، يرويها لنا الشاعر إبراهيم بن سعيد الدعجاني، هذه التجربة ببلاد الغربة، ملتزماً أمامه وأمام القراء بالأمانة الصحفية، دون تدخل أو تعديل في النَّص، بعد أن هاتفته مُهَنِّئهُ بقدوم شهر رمضان المبارك، وسألته: عن ذكرياته في شهر رمضان والصيام خارج الوطن، في مدينة الضباب لندن، إبان تواجده بغرض الدراسة، وهو في مقتبل العُمر، حيث سارع بالرَّد بالرغم من ارتباطاته العملية، لتأتي إجابته في هذا السَّرد القصصي الأدبي الجميل، أشبه ما يكون بالرواية في قالبها الشعري.
فهذه القامة الأدبية الشاعرية، تتراقص حروفها نثراً وشعراً، وكأنها جواهر وللآلئي مكنونة، زان بريقها بِنَصِّهَا السِّريالي، وتجربتها الماتعة الممتزجة بالكثير من الأحزان، لا تغيب عن أحاسيس المغترب، وظروفه الدراسية بإحدى الجامعات الأوروبية، ومع وافر الشكر للصديق بما أمطرني به من عذب وأدب الكلام، فعن تلك التجربة التي يقول فيها: حينما حزمت حقائبي للسفر إلى بلاد الغرب البعيدة، في مطلع عام 1979م، لإتمام دراستي الجامعية، كان فكري منصب على التحصيل العلمي، وجلّ وقتي منصرف في المتابعة، تسجيل المواد الدراسية، والتعرف على ضرورات العيش في بلاد الغربة، المنشغلة بالحياة المادية.
لم يمض زمن طويل، حتى وجدتني في ليلة رمضانية لندنية ماطرة، ألَمْلِمُ أحزاني حين أخبرني جاري المسلم، ثبوت رؤية هلال رمضان في المملكة، أصبت بحزن شديد! لم أعرف سبباً له إلا عندما سألته في ارتعاد! كيف نصوم؟ متى؟ وأين؟ ربَّت على كتفي، وراح يطمئنني بأن الأمور تسير بخير! وكان الاتصال آنذاك بالهاتف غير متاح، ويقتضي الوقوف وقتًا طويلا أمام غرفة هاتف العملة، ولن أحدثكم عما جلبته التكلفة الباهظة، وهو الطالب الصغير المشدوه من كل شيء حولي! حيث بدأ صدى صوت والده المتهدج! يسأل: كيف حالك يا ابني؟ تعثر الكلام في فمي.
وانهمرت دمعة ساخنة حاول إخفاءها بسرعة، مرّ اليوم الأول من رمضان، وهو موجوع ومهموم، مفتقدٌ لتلك الهالات والبشائر، التي كانت تغمرنا عند مشاهدة المذيع على القناة السعودية الأولى، يبشرنا بثبوت رؤية هلال رمضان، ومفتقدٌ بشكل أشد تلك الأحضان والقُبَل على رأس الوالدين، ثم الأقربين، وما يتبعها من مباركات ودعوات بحلول شهر الخير، وقبل أن يجن منتصف الليل بساعتين، انطلقت إلى غرفتي محمل نفسي بهالة من الذكريات، توسدت مخدتي، عاركت النوم، حتى رنَّ المنبه مُعلنا قرب وقت أذان الفجر.
هرولت لحنفية الماء القريبة من غرفتي، ونويت صيام أول أيام رمضان، في صيف نهار إنجلترا الطويل جدًا، الذي يتجاوز الـ 18ساعة صيام، وأمضيت ذلك اليوم بشيء من الجوع والعطش معاً، وما أن حان وقت الإفطار ركضت مسرعاً إلى سفرتي البسيطة، استرجعت زحمة النعم في الوطن، وتلك السفرة التي كانت تعدها الوالدة رحمها الله، سفرة ممتدة، و”ملغمة”، بكافة أنواع الأطعمة، شربة الحب، والسمبوسك والفول والمهلبية و”السَقَّدانة”، وغيرها من الأكلات الحجازية المعروفة، فهذه التجربة الإنسانية، لابد أنها مرَّت على العديد، من الطلاب والطالبات المبتعثين للدراسة خارج المملكة.
abumotazz@