عبدالله صقر – مركز المعلومات
عرف ابن الهيثم باسم العالم الأول لما له من دور في إنشاء المنهج العلمي في البحث والذي يتشابه بشكل كبير مع المنهج الحديث للبحث العلمي، فكلاهما يعتمد على التجريب، تكرار الملاحظات مع وضع الافتراضات العلمية التي لا تتبع آراء الآخرين.
“على دارس الكتب العلمية بهدف معرفة الحقائق تحويل نفسه خصماً لكل ما يدرسه، إن اتباع الدارس لهذا المسار يضمن كشفه للحقائق”
بهذه الكلمات يشرح ابن الهيثم طريقته العلمية في كشف الحقيقة والوصول إليها في كتابه “الشكوك ضد بطليموس”.
يتلخص منهج ابن الهيثم في قاعدته الشهيرة “لاذاتية في العلم” مبيناً أن استخدامه لطريقة البحث العلمي التي وضعها لا تتبع الأهواء ولا الآراء المتفرقة بل تتبع الأدلة والحقائق التي تظهر عند البحث والتقصي، فالغرض هو الوصول إلى المراد باتباع العدل، ولعل أروع ما قاله ابن الهيثم في هذا المجال، والذي يعتبر وثيقة علمية وفلسفية وتاريخية هو قوله: “ونحن لسنا براء مما هو في طبيعة الانسان من كدر البشرية. وضع ابن الهيثم مجموعة من القواعد الصارمة للوصول الى الحقيقة في طريقته العلمية للبحث العلمي الاعتبار.
استعمل ابن الهيثم هذا المصطلح كثيراً في نظرية المعرفة وحيث إنه ربط مفهوم الاعتبار بمفهوم اليقين، والاعتبار هنا يعني في المنهج الحديث الاختبار والامتحان.
يقول مصطفى نظيف حول مفهوم الاعتبار ما يلي: «تجب الإشارة إلى أن ابن الهيثم استعمل تفسيراً خاصّاً عبّر فيه عن معنى التجربة حسب المصطلح الحديث، لقد أشار إليها بكلمة الاعتبار، وسمَّى الشخص الذي يُجري التجربة المعتبر، وقال عن الشيء المطابق للحقيقة والصادر عن التجربة الإثبات بالاعتبار كي يميزه عن الإثبات بالقياس، إضافة إلى ذلك فإنه قد تبيّن أنّ للاعتبار مهمتين أساسيتين في البحث العلمي، الأولى هي استقراء القواعد والقوانين العامة، والثانية هي التحقق من أن النتائج المستنتجة هي صحيحة».
النقد
إن قضية النقد شغلت حيزاً كبيراً من تفكير ابن الهيثم، وطبَّقها في كثير من النماذج العلمية التي قدَّمها في علم الفيزياء والبصريات خاصة، والمعنيُّ بذلك هو عدم التسليم بفروض معينة، ولكن ينبغي القيام بعملية النقد بصورة موسعة للمقدمات أو المُعطيات، مع التحفظ الشديد فيما يتم التوصل إليه من نتائج.
وهناك تشابه كبير بين النقد الذي يعد طريقة البحث العلمي عند ابن الهيثم وبين النظرية النسبية التي وضعها اينشتاين، وذلك لأنها تفترض النسبية في كافة الأمور التي يمكن رؤيتها ولمسها، والتي يمكن تفسرها بالعديد من الطرق باختلاف المعطيات الموجودة حينها.
الاستقراء
يُعرف الاستقراء على أنه طريقة للاستدلال بصورة منطقية، وفيه ينتقل الباحث أو المُكتشف من مرحلة دراسة جُزئيات معينة، وبلوغ مجموعة من النتائج العامة، وذلك بتتبع خواص الجزئيات في محاولة الربط بينهما من خلال الكشف عن العلاقات الموجودة بين هذه الجزئيات، وتحويل تلك العلاقات بعد الملاحظة إلى قوانين عامة تخضع لها كل الظواهر التي هي من النوع نفسه.
إن المنهج التجريبي يعتمد على هذا النوع من الاستقراء الذي ينتقل فيه الذهن من المعرفة الجزئية إلى لمعرفة الكلية، وهو دراسة لحالات جزئية مختلفة، ثم القيام بتحليلها وقياسها، ثم تحويلها إلى بيانات رياضية من أجل الوصول إلى القانون العام الذي ينطبق على جميع الحالات المشابهة.
إن هذا المنهج الذي اعتمد عليه ابن الهيثم أكَّد عليه برتراند راسل Bertrand Russel بقوله: «إن العلم يبدأ بدراسة الحقائق الجزئية»، وهذا ما أشار إليه ابن الهيثم بقوله: «تمييز خواص الجزئيات».
إن تأكيد ابن الهيثم على منهج الاستقراء جاء رفضاً لمنهج القياس خاصة في مجال إدراك أغلاط البصر، حيث يكشف لنا أن أكثر أغلاط البصر في المعاني الجزئية وصور المبصرات إنما يكون غلطاً في القياس ، بمعنى أن الغلط كان في المنهجية التي اتبعت في دراسة الظواهر الجزئية، وهي منهجية الأخذ بعنصر القياس الذي اعتمد عليه أرسطو في منهجية بحثه العلمي.
المقارنة والمقايسة
تتم هذه المقارنة من خلال التأمل والتركيز في الظاهرة، والقيام بالتحليل الإحصائي، والذي يقابله الأسئلة البحثية في وقتنا الراهن والقياس هوالانطلاق من حكم عام يقيني الى حكم خاص يصبح يقينيا لاشتمال الحكم العام عليه.
بعد أن يثبت ابن الهيثم المباديء الأولية بالاعتبار، يتخذ تلك المباديء قضايا يستنبط منها بالقياس النتائج التي تفضي اليها، ويشرح على هذا النمط كثيرا من الظواهر الهامة في الضوء.
صفات الباحث العلمي عند ابن الهيثم
هناك مجموعة من الصفات التي فصَّلها الحسن بن الهيثم في كتاباته حول سمات الباحث العلمي الناجح، والتي استشفَّ منها العلماء معظم ما تم تدوينه من كتب حول صفات الباحثين.
التفرُّغ للبحث:
والمعنيُّ بذلك اختيار الباحث مشكلة أو دراسة معينة، وتوفير الوقت المناسب لدراستها، وذلك إحدى سمات الباحث العلمي المهمة عند ابن الهيثم.
الجدية وحب التعلم:
إن الشغف العلمي هو المحفز الرئيسي لأي باحث، ووضعه الحسن بن الهيثم كأساس ينبغي أن يتوافر فيمن يقوم بالمطالعة والتفكير والكشف.
الموضوعية:
والمعنيُّ بتلك الكلمة أن يكون الباحث مُخلصاً فيما يقوم به من بحث، ويضع نصب عينيه ما يقدمه من قيمة، ودون أن يكون هناك أي تحيز لهيئة أو صورة معينة؛ لمجرد أن الباحث مُعجب بها.
محاولة الوصول للجديد:
كان ابن الهيثم يؤمن بأهمية أن يتمرَّد المُكتشف أو الباحث على ما وضعه السابقون من نظريات أو قواعد، والعمل على نبذها، والابتعاد عن الموثوقية، وإطلاق العنان نحو التفكير، فالعلم لا حدود له.
تواضع الباحث:
يجب على الباحث العلمي أن يتعامل بتواضع مع ما يقوم به من مهام علمية، وتلك سمة دينية وأخلاقية بوجه عام.
التأمل والدقة:
والمعنيُّ بكلمة التأمل الملاحظة العميقة، مع الدقة في تدوين الملاحظات، وذلك من سمات الباحثين العلميين المحورية.