البلاد ـ الباحة
وأنت في منطقة الباحة يشد انتباهك، مشاهد القرى الأثرية المنحوتة في الصخور، ويتملكك الشغف من أجل التمشي في أزقة هذه القرى القديمة، وما بين وعورة التضاريس وسهولتها وتفاوت الطقس بين المعتدل إلى البارد، نشأت قرى مترامية الأطراف عاش بها نحو نصف مليون نسمة، وجعلت هذه المعطيات قرى الباحة مقصداً للسياح والزوار من داخل المملكة وخارجها، لاستكشاف الحضارات القديمة التي صنعها الإنسان في تلك القرى، مثل الحضارات التي أخرجت لنا كنوزاً أثرية، تجسدت في المنازل الحجرية المنحوتة في الصخر وقصر ابن رقوش الأثري وغيرها، ونجد أن محافظة قلوة بمنطقة الباحة تمتاز بقرية الخَلِيْف إحدى أقدم القرى الأثرية في المنطقة التي اشتهرت بنمطهما المعماري البديع المعتمد على الحجر المحلي “الصلد”، المطرز بالأقواس والجص الأحمر الذي لا يزال بعض أجزائه قائمة إلى وقتنا الحاضر.
وبحسب ما أظهرت نقوش جدران القرية، فإنها سُكنت بعد منتصف القرن الثامن الهجري سنة 777هـ، وتتوزع فيهما العديد من المنازل السكنية التي لا تزال بعض جدرانها قائمة إلى الآن، بينما تداعى الكثير منها الأمر الذي جعل عدداً من أهلها ينقل بعض حجارتها المنهارة ليبني بها من جديد في مكان آخر أسفل القرية الأثرية. وتضم القرية العديد من المواقع الأثرية المتمثلة في الحصون والمباني القديمة، وبئر دغيفقة التي تقع على بعد 100 متر تقريباً إلى الغرب من القرية بالقرب من سفح الجبل فهي لا تزال قائمة، ولم تطمر فيما غُطيت بحجارة ضخمة جداً أبقى لها فتحات لمعرفتها.
ويرجع الباحثون سبب تسمية “بئر دغيفقة” بهذا الاسم إلى كثرة عروق الماء وحباله التي تصب فيها من طبقات الأرض ولغزارة مائها، وبها فتحة من جهة الجبل تستخدم لأعمال الصيانة، ويتصل بها نفق فوق سطح الأرض مغطى يصل البئر بالحي السكني الذي اندثر مع مرور الأيام. ومن معالم قرية الخَلِيْف المسجد الذي تقدر مساحته بنحو 324 متراً مربعاً وله أربع واجهات ومئذنة واحدة، تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من صحن المسجد، وقد اُعتمد في بناء المسجد على الصخور الصلبة الشديدة، وتم بناؤه على هضبة مرتفعة، حتى لا يتعرّض لمداهمة السيول، وتحفّ به شعاب شديدة الانحدار من الجهتين الشمالية والغربية، في حين يقترب منسوب أرض المسجد مـع أرضية القرية مـن جهتـيه الجنوبية والشرقية، كما يتوسط فناء المسجد بركة مائية يقدر عرضها بمترين ونصف بشكل مربع وبعمق ثلاثة أمتار، أو تزيد قليلاً، مبنية بالحجر المحلي الصلد بهدف توفير المياه الصالحة للشرب للمصلين وأهالي القرية. وتعـدّ قرية الخَلِيف موقعاً تاريخياً يحتل مكاناً متقدماً في قائمة أفضل الأماكن الأثرية في منطقة الباحة، بالإضافة إلى طبيعتها الساحرة التي تجعل من زيارتها تجربة ثرية وممتعة.