استضافت مدينة البصرة في العراق الشقيق بطولة كأس الخليج العربي في نسختها 25 بعد انقطاع طويل، حيث كانت المرة الأولى التي استضافت العراق هذه البطولة في عام 1979م في نسختها الخامسة، وقد توج المنتخب العراقي بكأس البطولة الغالية على الخليجيين بعد إقبال كبير من الجمهور العراقي وخاصة في المباراة النهائية.
لكن على الرغم من بعض الصعوبات التنظيمية التي تغافل عنها الإعلام الخليجي بحسن نية، فقد استقبل العراقيون جمهور الخليج العربي كما لو كان العراق يشكو طول الفراق، خاصة وقد أثقل كاهله الكثير من العجم الذين جثموا على صدره، وحاولوا إبعاده عن العرب، ولعل خير مثال على مثل هذه المحاولات ما حدث خلال هذه البطولة وهو الاعتراض الرسمي الذي رفعته إيران لمنظمة الفيفا واستدعاء السفير العراقي احتجاجاً على استخدام مصطلح “الخليج العربي” بدلاً من “الخليج الفارسي”.
ليست المرة الأولى التي تعترض فيها إيران على هذا المصطلح، فقد فعلت ذلك في مناسبات أخرى، لكنها أخطأت التوقيت هذه المرة، فقد زاد مثل هذا التدخّل السافر من العاطفة العربية لدى العراقيين قبل غيرهم في بطولة خاصة بأهل الخليج العربي تنظّمها العراق بعد غياب طويل، وجاء هذا الاعتراض بنتيجة عكسية لما يريده الإيرانيون حيث عبّر الكثير من العراقيين عن رفضهم لهذا المصطلح الذي يتنافى مع الواقع الذي يعرفونه جيداً فالأرض تتكلم العربية حتى في المناطق التي تطلّ على الضفة الشرقية للخليج العربي.
رضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب وأرضاه، فقد قدّم خدمة جليلة للفرس عندما حوّل عقيدتهم إلى الإسلام، وأصبحوا من العرب تقريباً حيث شارك الكثير منهم في الثقافة الإسلامية والعربية، وبرعوا في أدق تفاصيل الثقافة العربية كالنحو والأدب وغيرهما، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون ببعض آثار تلك الهوية الفارسية المجوسية القديمة التي تجعلهم يتعاملون مع العرب بطريقة فوقية متعالية، كما يفعل الروم، قبل أن يأتي الفاروق، وينهي هذه الغطرسة الفارسية والرومية في معركتين تاريخيتين حاسمتين هما القادسية واليرموك.
هذا الإصرار العجيب من إيران على تسمية الخليج العربي بغير اسمه هو نوع من الحرب الإعلامية التي تحوّلت في الألفية الثالثة إلى حرب في المصطلحات أو تسمية الأشياء خاصة وأن الإعلام قد تطوّر كثيراً مع ثورة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وأصبح العالم أقرب افتراضياً من أي وقت مضى، لكنه في الوقت نفسه أكثر عداءً وكراهية، حتى مع من يشتركون في الدين نفسه كما في حالة العرب مع إيران.
حرب المصطلحات مع إيران هي النوع نفسه من الحرب التي عاشها ويعيشها العرب مع الصهاينة منذ أكثر من سبعين عاماً حيث يسمّي العرب الأرض التي تقع بين الأردن وسوريا ولبنان ومصر “فلسطين” بينما الصهاينة يطلقون عليها “إسرائيل”. الموقف هنا شبيه بالموقف هناك، ففلسطين محاطة من الجهات جميعها بالعرب، والخليج العربي محاط من الجوانب جميعها بشعوب عربية تسكنها، بما فيها الضفة الشرقية منه.
يجب ألا يتنازل العرب عن حقهم في تسمية الأشياء كما يرونها هم، وليس كما يراها الآخرون؛ لأن حرب المصطلحات هذه تعني شيئاً آخر يتجاوز هذه المصطلحات، وتعكس رؤية أخرى هي بالتأكيد معادية للعرب.
لهذا السبب الوجودي، هو الخليج العربي، وليس شيئاً آخر.