عندما نعود للتاريخ نجد أن الأدب العربي كان حاضراً وقوياً في كافة العصور إلى أن أتى عصر الانحطاط، والذي حدث مباشرة بعد سقوط بغداد، واستمر لستة قرون من حملة نابليون على مصر، مروراً بالعصر المملوكي وصولاً للدولة العثمانية حيث وصل الاستهتار بالأدب لدرجة يقول فيها الشاعر الجزار معارضاً المتنبي:
اللحم والعظم والسكين تعرفني … والخلع والقطع والساطور والوضم وكأن التاريخ يعيد نفسه فكما شاهدنا الأدب على طاولة جزار نراه الآن لعبة بين أيدي من يطلقون على أنفسهم كتاباً، وما يثير الامتعاض أن هؤلاء يجدون من يصفق لهم “وينفخ ريشهم” بالرغم أنهم يكتبون شحذاً للأضواء وكأن الكتابة أصبحت مهنة من لا مهنة له، فتجد أنهم يركزون على الغلاف، ويبرعون في اختيار ما يلفت من الرسوم، ويتجاهلون المحتوى تماماً، فتجد الداخل محض هراء لا يصلح، حتى أن يكون سفرة طعام الأمر الذي يصيب بالخذلان أن الجمهور العربي وقع في فخ هؤلاء المهرجين، فبعد أن كان هذا الجمهور راقياً بمعنى الكلمة أصبح يرضى بمهزلة على شكل غلاف من شخص أقصى أحلامه أن يصدر المزيد من الترهات ليقتنيها المزيد من الحمقى، ويصورون بجانبها أكواب القهوة والحلوى الملونة – بالطبع لأن محتواها غير جدير بالقراءة – أمر في غاية الأسف، إن أكثر ما أخشاه أن يستمر هذا الانحدار ليصل إلى مرحلة السقوط، السقوط الذي يصعب بعده الوقوف بسهولة، أن يفقد الأدب هيبته، وتصبح الأقلام في متناول أيدي الجميع، أن نعيد مشهد الخراب ذاته، فمن هذا المنبر أقدم اعتذاري إلى آخر ورقة حرقها المغول، وإلى آخر قصيدة نقحّها زهير، زهير الذي كان ينقح القصيدة الواحدة حولاً كاملاً، حتى ظهر ما يسمى بالحوليات أي القصائد التي تستغرق كتابتها حولاً، أما اليوم فنجد كاتباً واحداً له عدة مؤلفات في السنة وبمستوى فكري أقل بكثير من ذائقة الفرد العربي الذي اعتاد على الدلال من رواد الأدب قدماء ومعاصرين فسحقاً للمفارقات.
وكما أسلفت ليس غريباً أن نجد متطفلين على الأدب، والأغرب أن نجد مطبلين لهؤلاء الذين ارتكبوا جرائم أدبية، دون أن تتم محاسبتهم، وأن نرى إنتاجاً أدبياً رديئاً في مكتباتنا، دون أن يمر على مقص الرقيب بعد أن كانت هذه المكتبات مضرب مثل بما فيها من ثروة أدبية هائلة.
لا أدري أيهما أشد وطئاً مهزلة الأدب الحديث أم تدني ذائقة الفرد العربي؟، وإن كنت موقنة أن الشريحة التي تصفق لهؤلاء خارج نطاق الحكمة.
اخيراً لدي أمل أن نستفيق جميعاً من هذا الكابوس المزعج، وأن يعود الأدب لوقاره بعد أن تختفي هذه الفقاعات، وتُترك الأقلام لأصحابها.