متابعات

التعبيرية تُخرج باجنيد من الذات العميقة

جدة- البلاد

حين تلج لقاعة داما آرت للفنون التشكيلية لحضور المعرض الشخصي المتعدد المواهب للكاتب والصحفي والتشكيلي المخضرم يحيى باجنيد رئيس تحرير مجلة اقرأ الصادرة عن مؤسسة البلاد للصحافة والنشر سابقاً، تلتقي بلوحات فنية رائعة من إبداعات أحفاده، لكن عندما تتعمق في جولة داخل المعرض تبهرك لوحات المدرسة التعبيرية التي ينتمي إليها باجنيد بشخصيته وذاته العميقة، ذلك الأسلوب لم يسع باجنيد أن يصوِّر الواقع إنما صوَّر فيها العواطف والاستجابات بخيال وتطبيق ديناميكي.

باجنيد بعد عودته إلى الرسم بهمومه وشجونه عام 1438هـ أثر غياب دام ربع قرن، أراد بلوحات معرضه الأخير التعبير عن مشاعره وعواطفه بحالات ذهنية نثرها بأحداث وقعت داخل ذاته وفي نفسه، فكثَّف ألوانه بذاتية مفرطة، مصطنعاً لها خطوط قوية مثيرة، وهذا الذي استقاه من المعهد الإيطالي للفنون التشكيلية في أثناء دراسته فيه بدايات شبابه، ولعل نبوغه في إيطاليا القريبة من ألمانيا رائدة المدرسة التعبيرية يعود لمزاملته طلاب أوربيين يتقنون تلك المدرسة الفنية الرائدة.

وبين شاطئي جدة وروما كانت بداية باجنيد في الفن التشكيلي، تجربة نضجت فيهما جماليات منجزاته في لوحات أصَّلت لشواطئ طموحاته الخاصة، فاستخلص بحوراً من الأساليب الذاتية المحافظة على التراث، وهذا الذي ظهر في لوحات معرضه الأخير الذي عمَّق فيه التراث الحجازي.

وفي بداياته الفنية، ابتعد باجنيد عن المدرسة الواقعية ذات الجاذبية السهلة معتنقاً المدرسة التعبيرية وقليلاً من المدرسة الرمزية بخطوط تميل إلى المدرسة التجريدية، ليعبِّر بهذا الخليط الفني عن مشاعره دون قلق، مستخدماً ألوانه القوية والنقية بأشكال أكثر إنسانية تخفي بعضها البعض، وتلتقط قصصاً ذاتية عن الحارة القديمة التي وُلد فيها، وترعرع على نغم نسائها ومركاز رجالها، وتتحدث عن مشاعره الخاصة التي لا تشوه الواقع، وتعبِّر عن الألم والشعور العميق لمعاناة أهالي المناطق التاريخية، خصوصاً حين يستخدم الألوان الدافئة مثل لوحة “المرأة الحمراء”.
ومع أن باجنيد استوحى باعتناقه للمدرسة الرمزية تحليلاً نفسياً خاصاً به، إلا أنه استقى أفكار لوحاته بالجمع بين الريشة فناناً والقلم كاتباً، لذلك استطاع تصميم حياة داخلية خاصة من صميم الحياة الخارجية العامة، وهذا الذي أعطاه تجسيداً رائعاً للفكرة منذ أن كانت علقة في ذهنه، فحرك الحواس بتلك الأفكار التي أصبحت لوحات فنية خلاَّبة بلغة متضامنة مع الألوان ذات الصبغة الفاقعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *