العلا – البلاد
تاريخ طويل يمتد إلى 20 عاماً بين المملكة وفرنسا في مجال الآثار والتراث، احتفلت به وزارة الثقافة، والهيئة الملكية لمحافظة العلا، تأكيداً على الشراكة الوثيقة بين البلدين وما حققته من نتائج نوعية في مجالات حفظ الآثار والتعاون والتراث، إذ ساهمت الشراكة بين الرياض وباريس في مجال حماية التراث في دعم التزامهما للحفاظ على الإرث الإنساني، وكانت عاملاً أساسيًا في مواصلة نجاح أعمال التنقيب عن الآثار في العلا، بينما نظمت الوزارة ممثلة بهيئة التراث، ندوة في المتحف الوطني بالرياض، نوقش خلالها تاريخ البعثات الأثرية السعودية – الفرنسية في محافظة العلا وبعض المدن الأخرى، إلى جانب إبراز آخر التطورات حول المشاريع التي يجري العمل بها حاليًا في المملكة، بمشاركة خبراء من المؤسسات السعودية والفرنسية.
من مدينة الحجر التاريخية، انطلقت أول بعثة أثرية سعودية – فرنسية حديثة في عام 2002، لتمهد الطريق لأكثر من 15 بعثة أثرية حول المملكة، إلى جانب تنفيذ مشاريع الحفظ والأعمال الميدانية، مثل أعمال المسح والتنقيب وإجراء البحوث المتخصصة التي يشارك فيها العشرات من علماء وخبراء الآثار من البلدين. ومن بين القطع الأثرية المهمة التي اكتشفتها فرق الآثار السعودية الفرنسية في العلا، رأس مصنوع من حجر الصوان تم العثور عليه في أحد المدافن، ويعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث.
واكتشفت الفرق أيضًا هيكلاً عظميًا محفوظًا لامرأة تبلغ من العمر 40 عامًا، ويرجح أن تكون قد عاشت في الفترة النبطية، وفي مملكة “دادان”، تم العثور على مجموعة متنوعة من التماثيل الكاملة والنصفية من الحجر الرملي، ويعود تاريخها إلى الفترة من القرن السابع وحتى القرن الأول قبل الميلاد.
إرث تاريخي
وصلت الإنجازات السعودية الفرنسية في مجال الآثار والتعاون الثقافي إلى آفاق جديدة في الآونة الأخيرة، حيث وقعت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، اتفاقية مع متحف “اللوفر” في العاصمة الفرنسية باريس، ويشمل ذلك عرض تمثال يعود للفترة اللحيانية، والذي يبرز ما لدى المملكة عمومًا ومحافظة العلا بالتحديد، من إرث تاريخي وحضاري، في وقت تستمر أعمال البعثات الأثرية وفقًا لإستراتيجية العلا، التي تؤكد على إبراز المواقع التاريخية والحضارات الإنسانية، والتعاون مع أبرز الخبرات حول العالم، فيما تباشر فرق العمل المشتركة من البلدين بإشراف من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، المسوحات الأثرية والتنقيبات، إضافة لأعمال الترميم، وذلك في الحجر شمال العلا، ومملكة دادان والواحة الثقافية والبلدة القديمة بالعلا، وفي عدة مواقع بمحافظة خيبر.
وتجري أعمال فريق التنقيب في مملكة “دادان”، لاستكشاف المزيد من المعلومات عن تاريخها الحضاري الذي امتد لأكثر من 2500 عام، والتي خضعت لحكم حضارة لحيان لعدة قرون، ولا تزال العلا حتى الآن أحد أهم مواقع الاستكشافات التاريخية نظير ما تحتويه من آثار، وذلك بالشراكة مع الوكالة الفرنسية لتطوير العلا، التي نم إنشاؤها في العام 2018، وتهدف إلى تقديم الدعم في مجالات التنمية الاقتصادية والسياحية والثقافية لمحافظة العلا، بوصفها محور تركيز للتعاون الأثري والثقافي بين البلدين.
دعم الإبداع
يعتبر التعاون السعودي – الفرنسي قوياً في كافة المجالات، خاصة الثقافة، حيث تدعم الدولتان بعضهما في التطوّر الثقافي، سواء في إنشاء البنى التحتية، أو دعم الإبداع الفني، أو اقتراح عرض متنوع للجمهور السعودي. وسبق التأكيد من قبل باريس بأن التعاون العلمي التاريخي مع الرياض، خاصة في مجال الآثار مهم للغاية من أجل الحفاظ على التراث، حيث نفذ باحثون فرنسيون جولات عديدة في المملكة، بما في ذلك بعثة مدائن صالح التي بدأت منذ عشرين عامًا، ما جعل التعاون استثنائياً في العلا، وفي إطار الاتفاقية الحكومية لتطوير العلا الموقعة في 10 أبريل 2018 بين المملكة وفرنسا، أصبحت الخبرة الفرنسية في خدمة مشروع تطوير محافظة العلا بالكامل الذي تقوده الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وتم إنشاء الوكالة الفرنسية لتطوير العلا (AFALULA)، التي تتكون من حوالي 50 شخصاً، وتعمل في مجالات علم الآثار والثقافة والسياحة والضيافة، والبحوث، والبنية التحتية، والتنقل الذكي، وغيرها من المجالات المهمة.
آفاق واعدة
تتميز العلاقات السعودية – الفرنسية بالتطور والنمو في شتى المجالات من بينها الثقافية، خصوصاً مع توافق وجهات نظر البلدين الصديقين ورؤاهما المشتركة، حيث يزخر أرشيف ذاكرة العلاقات بين البلدين بصور تجسد شراكة تنمية، وصداقة متينة بين البلدين، تمضي قدماً بقوة وثبات، وسجلت في مختلف الميادين خطوات رائدة وثابتة، فيما شهدت العلاقات الثقافية التاريخية بين البلدين على مدى العقود الستة الماضية تعاوناً مستمراً في مختلف المجالات، ويسعى البلدان إلى تعزيز التعاون في هذه
المجالات لاسيما تطوير المتاحف، والصناعة السينمائية، والتراث، وهناك تعاون للتطوير المستدام لمنطقة العلا، تسهم من خلاله فرنسا بدعم التطوير الثقافي والسياحي لهذه المنطقة الزاخرة بالإمكانيات. من خلال الشراكة الثنائية، تلتزم السعودية وفرنسا بتحقيق مشاريع ملموسة تعود بالنفع على كلا البلدين، وفقا للهيئة الملكية لتطوير العلا، وتتشارك الدولتان في الاستعداد المشترك لحماية وتعزيز التراث العالمي والبيئة، ودعم السياحة المستدامة والبرامج الثقافية والتعليمية، والانفتاح على الحوار بين الثقافات. كما أن كلتا الدولتين ترغبان في حماية وتطوير وترويج المواقع التاريخية في العلا، حيث تم الاتفاق حول التنمية الثقافية والتراثية والسياحية والبشرية والاقتصادية في محافظة العلا.
نموذج للسياحة الثقافية المستدامة
أكدت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، إن فرنسا تعتبر واحدة من أقدم شركاء المملكة لاستكشاف العلا ومدينة حجر النبطية التي تم إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2008، مبينة أن البلدين يتشاركان نفس ديناميكية التغيير والريادة في دعم الفنون والثقافة، فلدى فرنسا التزام طويل الأمد إزاء الآثار السعودية، كما أنها واحدة من الدول الرائدة في مجال الثقافة، وهي وجهة سياحية رئيسية وتشتهر بنوعية الحياة فيها، بينما المملكة تتشارك أفضل العناصر الفاعلة في العالم، مع وضع المجتمع المحلي في قلب ديناميكية التنمية، مشيرة إلى أهمية إبرام الشراكة من أجل تطوير العلا سيعزز من العلاقات بين البلدين.
وبينت الهيئة أن التعاون السعودي – الفرنسي من أجل العلا هو تجسيد حي للعلاقة المتميزة بين السعودية وفرنسا، إذ تهدف المملكة إلى الانفتاح على ثقافات العالم من خلال رؤية 2030، وتُجسّد العلا تاريخًا حقيقيًا للتبادل والتفاعل بين الثقافات يعود إلى 8,000 سنة، كما أن العلا هي موطن حجر، وهي أول موقع سعودي يُدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، ويعود تاريخها إلى الحضارة النبطية التي حكمتْ مفترق الطرق الهام على طريق البخور الذي يربط شبه الجزيرة العربية بأوروبا وأفريقيا وآسيا. ويهدف هذا المشروع من خلال رؤية 2030 إلى فتح المملكة على العالم مع احترام الجذور التاريخية والثقافية السعودية وتمكين تنمية قطاع السياحة والثقافة.
ولفتت إلى أن المملكة تلتزم على وجه الخصوص بحماية تراثها الأثري والمعماري والثقافي والفني والطبيعي في العلا، وتسعى إلى تطوير وترويج صخورها التاريخية الفريدة من نوعها، وتعزيز صورتها بوصفها نقطة التقاء الحضارات الموجودة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة. لذلك، سيتم تنفيذ الشراكة الخاصة مع الإلتزام بالاستدامة، فيما تعد محافظة العلا رمزًا للالتزام السعودي بريادة نموذج للسياحة الثقافية المستدامة، وذلك من خلال تطوير برنامج ورؤية العلا بالتعاون مع كلٍ من المجتمعات المحلية والدولية، حيث ستكشف العلا للعالم عن كنوزها الثقافية والتاريخية والطبيعية والأثرية الفريدة من نوعها عبر هذا المشروع السياحي الطموح للمملكة.