جدة : البلاد
لطالما كانت المياه مصدراً للمخاطر والفرص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولعل ذلك يصحّ أكثر بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. فعلى مدى آلاف السنين، ساهمت الاستثمارات والابتكارات في إدارة المياه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وفي تحقيق إنجازات استثنائية عبر مجموعة من القطاعات، بما في ذلك التجارة والزراعة. وقد تم استخدام موارد الطاقة لتحسين سبل العيش والفرص المتاحة للشعوب في دول الخليج. ومع ذلك. (البلاد) التقت عصام أبو سليمان المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، فإلى مضابط الحوار :
ما هي التحديات التي تواجه المنطقة بالنظر إلى التغييرات المتعلقة بالمياه؟
إن الاستدامة على المدى الطويل تتطلب نهجاً جديدة. لقد تمكنت المنطقة من التغلب على ندرة المياه الشائعة من خلال تصنيع المياه العذبة بواسطة تقنية تحلية المياه. ونما الإنتاج السنوي من المياه المحلاة في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامَي 2014 و2018 بنسبة 18.7 في المائة، ومن المتوقع أن يتواصل هذا النمو، مع ما يترتب على ذلك من زيادة ملحوظة في الطلب على الطاقة. ولتلبية الطلب المتزايد على المياه، ستعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز البنية التحتية لتحلية المياه بنسبة 6 إلى 10 في المائة سنوياً حتى عام 2040. ومن شأن إنتاج تحلية المياه على المدى الطويل أن يستأثر بحصة الطاقة المحلية ويقلل من صادرات النفط والغاز ويتطلب عمليات استيراد باهظة الثمن، في حال تم تشغيل محطات إنتاج تحلية المياه بالكامل بواسطة الهيدروكربونات. وفي الوقت نفسه، يساهم دعم المياه والطاقة في تعميق اعتماد هذين القطاعين على عائدات النفط. ففي هذه المنطقة التي تتسم بالحرارة والجفاف، أصبح تأمين المياه والطاقة لما يناهز 60 مليون شخص أمراً مكلفاً. ومع ذلك، ففي العادة تخفي مبالغ الدعم الكبيرة وراءها تكاليف فعلية وتكاليف فرص أخرى ناجمة عنها. تشجع التعريفات المنخفضة على الاستهلاك المفرط وقد أدت إلى تسجيل أعلى معدل استهلاك للفرد من المياه في العالم في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يبلغ الاستخدام اليومي للمياه من قبل سكان دول مجلس التعاون الخليجي ضعف ما هو عليه تقريباً في البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع.
وبناءً على ذلك، نفترض أنه لا يتم استخدام المياه دائماً على أفضل وجه. فمعظم المياه الجوفية في منطقة مجلس التعاون الخليجي- وحوالى 70 في المائة من جميع مواردها المائية- لا تُستهلك لحاجات الأسر أو الصناعات وإنما لأغراض الريّ. وقد أدت رغبة أعضاء مجلس التعاون الخليجي سابقاً في تعزيز الاكتفاء الذاتي إلى إنتاج محاصيل غذائية كثيفة الاستهلاك للمياه.
يُضاف إلى ذلك تحدٍّ آخر يتمثل في التكلفة البيئية لتحلية المياه في المنطقة. فقد شهدت كميات المياه التي تنتجها محطات تحلية المياه في الخليج زيادة حادة، من 40.000 متر مكعب يومياً في عام 1970 إلى 21 مليون متر مكعب يومياً في عام 2018. وقد أثر هذا الارتفاع السريع سلباً على النظم الإيكولوجية البرية والبحرية، بالإضافة إلى طبقات المياه الجوفية، وأدى إلى زيادة انبعاثات غازات الكربونية في الهواء. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الخليج تشكل موطناً طبيعياً لأنواع نباتية وحيوانية تحظى باهتمام كبير من جانب الحماية العالمية، مثل أشجار المانغروف والشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والتي توفر مأوى ومصدر غذاء للأسماك والثدييات البحرية. ونظراً لتعرضها لصدمات مفاجئة ناتجة عن تحلية المياه، فإن أنواعاً عديدة منها آخذة في التدهور، بينما يتعرض البعض الآخر للانقراض. ويؤدي تضافر ارتفاع الملح والمواد الكيميائية وتغير المناخ إلى سلسلة من الأضرار التي تلحق بالبيئات البحرية في الخليج. ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى خفض قدرة مياه البحر على الاحتفاظ بالأكسجين، مما يتسبب في موت الأسماك بكميات كبيرة فوق 35 درجة مئوية وفي تراجع مساحات الأعشاب البحرية فوق 37 درجة مئوية، مما يؤدي إلى هجرة تطال حتى السلاحف البحرية ذات الدم البارد. ويمكن أن تكون مناطق خلط تصريف المحاليل الملحية “نقاطاً ساخنة” بكل ما للكلمة من معنى، حيث تؤدي مستويات الملوحة إلى تركز يتراوح بين 3 و6 أجزاء أخرى في الألف. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط ملوحة الخليج بين 40 و41 جزءاً في الألف ويرتفع على طول الساحل الشرقي لدولة قطر إلى 45 جزءاً في الألف، وصولاً إلى 57 جزءاً في الألف في الغرب.
تلعب العوامل المناخية دوراً كبيراً في مستقبل الطاقة الشمسية. إذا كان ذلك صحيحاً، هل يمكنك أن تفصّل وتشرح؟
إن تغير المناخ وتزايد عدد السكان يجعلان من إيجاد طرق لإدارة العلاقة بين المياه والطاقة بشكل أفضل أمراً أكثر إلحاحاً. وتتطلب تحلية المياه وضخها وتوزيعها ومعالجتها موارد طاقة كبيرة. وفي الوقت نفسه، يستهلك استخراج موارد الطاقة وإنتاج الطاقة كميات كبيرة من المياه. وغالباً ما تتبع الآثار البيئية السلبية سوء إدارة قطاعَي المياه والطاقة. وقد فشلت سياسات الإصلاح حتى الآن في معالجة التحديات بشكل كافٍ. ويعمق دعم المياه والطاقة اعتماد قطاعَي المياه والطاقة على عائدات النفط. ولن يكون الاعتماد الشديد على الطاقة الرخيصة لتوفير الأمن المائي مستداماً على المدى الطويل. لذا، يجب أن تهدف جهود الإصلاح إلى اتباع نهج استباقي ومنسق يمكن أن يؤدي إلى اقتصاد أخضر وشامل وأكثر مرونة ومنخفض الكربون. للانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تسريع اعتماد مصادر الطاقة المتجددة. وتجسد المملكة العربية السعودية هذا الهدف، حيث شرعت في إنشاء أكبر محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في العالم. ويساهم ذلك في الاحتفاظ بالوقود الهيدروكربوني للتصدير على المدى القصير والمتوسط، والتخفيف من مخاطر الأسعار، وتلبية الأهداف، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
ما هو الهدف من إطلاق هذا التقرير وما هي بعض النتائج الرئيسية؟
يسلط التقرير الضوء على التحديات التي تواجهها منطقة الخليج في ما يتعلق بالرابط بين المياه والطاقة، ويسلط الضوء في الوقت نفسه على الفرص المستقبلية المتاحة لها، بالاعتماد جزئياً على الابتكارات الرئيسية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وسيتطلب المضي قدماً في هذه الأجندة المهمة اتخاذ إجراءات على عدة مستويات. فيمكن للمنطقة أن تنتقل إلى اعتماد أكبر على مصادر الطاقة المتجددة لتحلية مياه البحر، وتوسيع نطاق استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الانبعاثات، وتوفير الهيدروكربونات لزيادة صادراتها ليؤثر إيجابيا” على ميزان المدفوعات والمالية العامة، وخفض تكلفة الطاقة من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة، واعتماد تدابير لتجديد الموائل البحرية، والاستثمار في البحوث لدفع الابتكار، والتحول نحو السياسات والتعريفات التي تشجع على استخدام أكثر كفاءة، والاستفادة من مياه الصرف الصحي كمورد قيّم لتحسين الأمن المائي.
كيف ترى تأثير تغير المناخ في جميع أنحاء العالم على الموارد الحيوية للكوكب، بما في ذلك الهواء والماء؟
يتجلّى تغير المناخ إلى حد كبيرٍ على صعيد المياه، وزيادة التقلبات في كميات المياه المتوافرة من خلال انخفاض هطول الأمطار، وتغير أنماط الأحوال الجوية. ويزيد ذلك من ندرة المياه في العديد من المناطق وربما بشكل أكثر فداحة في منطقة الشرق الأوسط. ويؤدي تغير المناخ إلى تفاقم التحديات الناجمة عن هذا الرابط بين المياه والطاقة.