متابعات

الوسواس القهري «أوهام» تعيق الحياة

جدة – نجود النهدي

يعاني الكثيرون من الوسواس القهري للدرجة التي تعيق حياة الشخص اليومية، ولكن معظم الحالات تندرج في فئة واحدة على الأقل، من أربع فئات، أولها: “التحقق” لمرات من الأقفال أو أنظمة الإنذار أو الأفران أو مفاتيح الإضاءة، أو التفكير في أنك تعانين من حالة طبية مثل الحمل أو الفصام، وثانيها “التلوث”، المتمثل في الخوف من الأشياء التي قد تكون غير نظيفة أو الإكراه على التنظيف، أما ثالثها فهو “التناسق والترتيب” بمعنى الحاجة إلى ترتيب الأشياء بطريقة معينة، فصلا عن الفئة الرابعة “اجترار الأفكار والأفكار المتطفلة”، وهو هوس بخط فكري، وقد تكون بعض هذه الأفكار عنيفة أو مزعجة، بينما يقول مختصون: إن الوسواس القهري لا يختفي من تلقاء نفسه، ولكن ما يمكن التحكم به للحصول على العلاج.

أكد المعالج النفسي الإكلينيكي الدكتور وليد سعيد الزهراني، أن الوسواس القهري؛ عبارة عن أفكار توهمية متطفلة على الشخص ملحة عليه بشكل جدا كبير، توهمه أن بعض أفكاره خاطئة وغير صحيحة، حيث إنه يوجد نوعان من أنواع الوسواس؛ وهي: وسواس الأفكار، ووسواس الأفعال، فالأول يكون بأفكار تشكيك ملحة تشكك الشخص في أمور كثيرة غير واقعية وتوهمية ويقتنع فيها الشخص بشكل كبير، أما الثاني عبارة عن تصرفات الأفعال، مثلا وسواس الصلاة، والوضوء، والنظافة، مضيفا: “أحيانا يوسوس الشخص ويعيد وضوءه وصلاته؛ ما يؤكد أن أفكاره ملحة بشكل كبير ومؤثرة عليه ومتبعة للشخص لا يستطيع أن يقاومها أو يسيطر عليها”، مشيرا إلى أن أعراض الوسواس تتفاوت من مريض لآخر، فهنالك وسواس قهري يكون بنسبة بسيطة، وآخر بنسبة متوسطة، بينما نجد البعض يعاني من وسواس شديد، يصاحبه عدة أمور مثل الشعور بالقلق والتوتر وعدم الأمان، والمشاعر الاكتئابية، وضيق في الصدر، وشعور بالحزن.

وأشار الزهراني إلى أن الوسواس القهري يعيق الشخص في أمور حياته بشكل عام، سواء كان في الأمور الاجتماعية أو العملية أو الحياة الزوجية، ويكون مؤثرا بشكل كبير على حياته العامة. وتابع: “يمكن للوسواس القهري أن يسيطر على الشخص ويمنعه من حضور المناسبات الاجتماعية والتفاعل فيها، فالموسوس يتظاهر أمام الناس بأنه يتعامل بشكل طبيعي، وهو في الواقع عكس ذلك، لذلك لا يتمكن من الاستمتاع بوقته، بينما يمكن للوسواس القهري التأثير حتى على الحياة الزوجية؛ إذ يتسبب في التذمر بين الزوجين، وبالتالي المشاكل المتبادلة ثم النفور، كما يؤثر على الدراسة والعمل والعلاقات الأسرية، فهو مؤثر على جميع نواحي الحياة، وحال عدم التخلص منه خصوصا إذا كان من النوع المتوسط أو النوع الشديد، فيعتبر عائقا أحيانا للإنسان في حياته اليومية”.


أسباب الوسواس
قال الدكتور وليد سعيد الزهراني: إن أسباب الوسواس القهري قد تكون وراثية، حيث تلعب الوراثة دورا أساسيا في هذا المرض، بينما في كثير من الأحيان يكون أسبابه أمور حياتية؛ وخلل في التربية والتنشئة من الصغر، فمثلا يتربى الطفل على المثالية الزائدة، وعدم تقبل الأخطاء، والتدقيق الزائد، كما أن هناك ما يسمى بالصفات الشخصية ما قبل المرض؛ فالوسواس القهري توجد له صفات قبل إصابة الشخص به، مثل: الدقة الزائدة، والمثالية الزائدة، والحرص والاهتمام الزائد، فهذه صفات ربما تتواجد لدى الشخص قبل إصابته بالوسواس القهري، وقد تكون أحيانا مسؤولة عن مشكلة الوسواس القهري، فهي تلعب دورا كبيرا للغاية في الإصابة بالمرض، وأحيانا قد يتعرض الإنسان لضغوط كبيرة في الحياة؛ مثل العنف، ومقولات قاسية تؤثر عليه. وأضاف: “قد يكون الأب قاسيا أحيانا على الابن حال ارتكب خطأ ما، حيث يوبخه بشدة أو يعنفه بالضرب أو الشتم فهذه عوامل قد تصيب الشخص بالوسواس القهري، فأساليب التربية والتنشئة أحيانا تكون لها دور في الوسواس، فضلا عن المواقف الحياتية التي يتعرض لها الإنسان، مثل الصدمات الاجتماعية، والمواقف الصعبة.

قلق وتوتر
أشار استشاري الطب النفسي الدكتور رجب بن عبد الحكيم بريسالي، إلى أن الوسواس القهري عبارة عن أفكار أو صور متكررة وملحة ومستمرة تسبب القلق والتوتر للشخص المصاب، يحاول جاهدًا مرارًا وتكرارًا مقاومتها لكنه لا يستطيع؛ لذا سمي قهريا، وهو بطبيعته يختلف من حيث الشدة والنوع والتأثير من شخص لآخر، مؤكدا أن هذا النوع من الاضطراب النفسي يسبب عائقا حقيقيا للشخص المصاب، ويؤثر على قدرته في العمل والإنتاج، كما يؤثر على علاقة الشخص بالمحيطين به، فتتأثر تلك العلاقة سلبا بسبب تصرفات الشخص المصاب واحتياجه لساعات طويلة حتى يقلل من التوتر والقلق المصاحب لذلك الوسواس كغسيل اليدين والاستحمام لزمن ليس بالقصير قد تمتد ليصل حدًا لا يطاق. ولفت بريسالي إلى أنه لا يوجد سبب وحيد ومباشر يمكن توجيه أصابع الاتهام له، لكن توجد هناك مجموعة من العوامل الأسرية والوراثية والاجتماعية مع الضغوطات الحياتية المؤثرة التي يتمخض عنها جميعها أو بعضها ما يسمى بالوسواس القهري، ولكن الشيء المؤكد بالدراسات النفسية والاجتماعية أن العامل الوراثي يعد من أكثر تلك العوامل المؤدية له.


أنماط مختلفة
أوضح الدكتور رجب بريسالي أن صور وأنماط الوسواس القهري تتنوع، مثل: الهوس بالنظافة والعدد، والطقوس الغريبة، ويمكن اعتبار غسل اليدين مع إعادة تكبيرة الإحرام والصلاة من أكثر تلك الصور والأنماط اتساعا وانتشارا في المملكة.
ونوه إلى أنه يمكن التنبؤ المبكر بالوسواس القهري واكتشافه قبل فوات الأوان، وقد أوضحت الدراسات والأبحاث النفسية أن اضطراب الوسواس القهري غالبا ما يبدأ لدى الشخص منذ سن مبكرة وقد يستغرق سنوات يعاني فيها الشخص سرا دون أن يعي أو يدرك بأن الذي يعانيه لم يكن سوى وسواس قهري. واستطرد قائلا: “لذلك أنصح جميع من يلاحظ على نفسه مؤشرات أو بوادر أولية من الصور المشار إليها آنفا، بعدم التردد وسرعة عرض المشكلة على خبير ومختص في الصحة النفسية”.

 

علاج دوائي وسلوكي للتخلص من المرض

اتفق الدكتور وليد سعيد الزهراني، والدكتور رجب بريسالي، على أنه يمكن علاج الوسواس القهري بطرق عدة.
وقال الزهراني: “هناك طريقتان للعلاج، تتمثلان في: العلاج الدوائي ببعض الأدوية المخفضة لهرمون السيروتونين، التي تحسن من هرمون المزاج لدى الشخص، وتوفر لديه الهدوء وراحة البال ليكون لديه هدوء نفسي يستطيع من خلاله السيطرة على الأفكار الوسواسية، والعلاج السلوكي المعرفي الذي يتم عبره تدريب الشخص على بعض المهارات النفسية في التعامل مع النفس والذات يتعلم طرق وأساليب في قطع الأفكار الوسواسية، إلى جانب تعليمه طرق الاسترخاء التي تساعده على الهدوء لوقت طويل والسيطرة على نفسه وحياته”. وتابع: ” يجب أن يقرن العلاج الدوائي مع السلوكي في علاج الوسواس القهري، فالعلاج الدوائي متخصص به المعالج النفسي الدوائي، أما السلوكي فمتخصص به المعالج النفسي الإكلينيكي”.
ونصح الزهراني مرضى الوسواس؛ باتباع الخطة العلاجية الكاملة، فلا يكتفون بالعلاج الدوائي فقط، لأنه جزء من العلاج لكن غير كاف، لذلك لابد من الالتزام بالعلاج السلوكي، مع علاج أسري أحيانا، بمعنى أن الأسرة لها دور في بعض التصرفات والأفعال التي قد تساعد على تخفيف المرض والتخلص منه.
من جانبه، قال الدكتور رجب بريسالي: “مما لا شك فيه أن الطب النفسي شهد طفرة وقفزة حقيقية وواعدة من خلال توفر العديد من الأدوية والعقاقير النفسية التي أثبتت كفاءتها وفعاليتها في علاج الوسواس القهري وبقية الأمراض والاضطرابات النفسية. ولابد من التنويه بأن الدمج بين العلاجين (استعمال الأدوية النفسية، والعلاج النفسي المعرفي السلوكي) يلعب دورا مهما وحيويا في السيطرة على المرض ومنع حدوث انتكاسة للمريض. وكل تلك الأدوية والمهارات السلوكية متوفرة دون شك بجميع المستشفيات الحكومية والخاصة في المملكة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *