البلاد – مها العواوده
تتسارع خطط ومشاريع الإسكان ومنتجات متنوعة ومُيسرة تُمكن الأسر السعودية من تملّك المسكن الملائم بما يتوافق مع رغباتها وقدراتها وفقا لخطط الرؤية التي بدأت تتحقق ملامحها.
وفي إطار تنفيذ مشروع وسط جدة الذي سيحولها إلى وجهة اقتصادية وسياحية مميزة، ينتقل سكان الأحياء العشوائية إلى أحياء الشمال وشرقي الخط السريع، فاستغل تجار العقار تلك الفرصة السانحة لرفع أسعار الأراضي والمباني شمال وشرق المدينة بشكل مكشوف، لكنها – لو يدركون – زيادات غير مبررة ، لأن ارتفاع الطلب مثلا على السكن مؤقت في ظل التعويض ماديا لسكان العشوائيات، أو ببدائل سكنية لهم في أحياء أخرى ، كما أن المشروع سيوفر عبر مراحله عشرات الأضعاف من الوحدات.
في التحقيق التالي نناقش هذه الجوانب، بحثا عن سبل عودة توازن الأسعار بما في ذلك الإيجارات.
بداية أكد متعاملون في سوق العقار، أن أسعار العقار بشكل عام، قابلة للارتفاع والانخفاض حسب معادلة العرض والطلب في السوق العقاري والإسكاني، منوهين بما ما قدمته الجهات الحكومية والمؤسسات المالية خلال الأعوام الماضية من تسهيلات للمواطنين للحصول على منتجات سكنية ، مما ساهم في ارتفاع الطلب ومن ثم ارتفاع الاسعار خصوصاً في المدن الرئيسية ذات الكثافات السكانية العالية ، لكنه ارتفاع مؤقت سيتراجع مع مشاريع الإسكان الضخمة واستراتيجيات التطوير التي ستسهم في توازن الأسعار.
في هذا السياق يؤكد عوض الدوسي ، نائب رئيس التقييم عضو اللجنة العقارية في غرفة جدة ، أن عملية تطوير الأحياء العشوائية خطوة ممتازة وقرار استراتيجي لنهضة جدة سياحيا واقتصاديا ولجودة الحياة للمواطن ولزوار العروس.
ويضيف : إن الاستغلال من خلال رفع الأسعار بحجج واهية في ظل هذا التطوير من قبل بعض تجار العقار يجب أن يتوقف ، لافتا إلى أن الارتفاع ليس في الصالح العام ولا في صالح المواطن ، مشيرا أن الجهات المسؤولة تتابع متغيرات السوق العقارية المفتعلة في ظل حجم مشاريع الاسكان المنجزة من الوزارة ، والتمويل من الصندوق العقاري والقطاع الخاص.
وأوضح الدوسي أن ارتفاع الطلب حالة مؤقتة في كل الأحوال ، ولا يجب أن يراهن تجار العقار على استمرارها واستغلالها، لافتا في الوقت ذاته إلى أن الدولة وفرت للمواطنين مساكن ملائمة للعيش حيث سلمت آلاف الوحدات السكنية لمن ليس له سكن ودخل ثابت خلال فترة التطوير ، وسيضخ المشروع العملاق لتطوير وسط جدة رصيدا هائلا من الوحدات السكنية بعشرات الأضعاف عما كان موجودا من وحدات ، وستكون جودة الحياة فيها من أفضل ما يمكن وستصبح مطلب للجميع للعودة إليها والعيش فيها وبأسعار مناسبة.
عرض وطلب.. ولكن
جانب آخر يطرحه الخبير الاقتصادي علي الحازمي، فيؤكد أن مشكلة العقار كانت تظهر في الماضي لترك هذا القطاع للعقاريين للتحكم فيه حسب مفهوم العرض والطلب لافتا إلى أن ذلك لا ينطبق مع المدارس الاقتصادية ، فحتى المدرسة الكلاسيكية الاقتصادية التي تتبنى السوق الحر تتوقف نظريتها عند العقار ، حيث يأتي دور الجهات المعنية لضبط السوق العقاري وهو أمر مهم وضروري لتحيق لتوازنه، وهو ما نشهده في السنوات الأخيرة بخطط ومشاريع الاسكان وقنوات التمويل المتنوعة.
وتابع: منذ زمن تعودنا على استغلال بعض العقاريين برفع الأسعار مع ازدياد الطلب، وهنا تأتي أهمية التشريعات والأنظمة، ومنها رسوم الأراضي البيضاء بكل مراحلها الأربعة وضرورة أن تطبق بأقصى سرعة في الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
وبالنسبة لمشروع وسط جدة وإزالة العشوائيات، فقد أوجد عددا كبيرا من الكيلو مترات لتكون مستقبل جدة الاقتصادي والسياحي ومن ثم الاقتصاد الوطني، وهو أولا في صالح المواطنين بشكل كبير ، لكن المشكلة في العقاريين الذين يستغلون زيادة الطلب ، ويرون أنهم لابد أن يستنفعوا في هذا التوقيت ، وهو استغلال ليس في صالح المواطن ومستوى معيشته ، وأيضا ليس في صالح العقاريين انفسهم على المدى القريب مع زيادة توفر البدائل والمعروض.
المزيد من العرض
من جهته يرى حسن بن سلطان بصفر ، عضو المجلس البلدي بجدة ، أن تاجر العقار لا يشترط عليه تقديم الشفقة في البيع والشراء ، لأنه أحيانا يتعرض لخسائر في حال ركود الطلب على الوحدات ويتحملها بمفرده ، وبالتالي ينتشي بالأرباح ويتلقف الظروف ليطوعها لصالحه، مشيرا إلى أن أفضل طريقة للتوازي إلى جانب مشاريع الإسكان الضخمة في المناطق، هو المزيد من الاستثمار العقاري على مساحات الأراضي ، بما في ذلك أراضي حكومية من خلال هيئة عقارات الدولة ، في بناء الوحدات وبشكل متسارع وابرام عقود البيع للمستفيدين على خرائط التنفيذ والضمانات للتملك الآمن في فترة وجيزة وبأسعار السوق ويكون السداد على دفعات أو أقساط ، وكل هذا يضغط على أسعار الوحدات السكنية والتجارية لصالح المستهلك ، وكذا تراجع طلب المواطنين لوحدات الإيجار وتخفيض كلفتها السنوية. وأيضا أهمية تطوير البنى التحتية واصدار تصاريح الفسح للارتفاع العامودي للبنايات السكنية وتحديد مواقف للسيارات لكل مساحةً وكثافة سكانية.
تسهيلات القروض
المهندس زياد عبدالستار، مخطط عمراني ومختص في شؤون الإسكان، يرى أن أسعار العقار بطبيعتها قابلة للارتفاع والانخفاض حسب معادلة العرض والطلب في السوق العقاري والإسكاني، وما قدمته الجهات الحكومية والمؤسسات المالية خلال الأعوام الماضية من تسهيلات للمواطنين للحصول على قروض سكنية ساهم في ارتفاع الطلب مما أدى إلى ارتفاع الأسعار خصوصاً في المدن الرئيسية ذات الكثافات السكانية العالية، لكنها ستتراجع تباعا مع زيادة المعروض بمعدلات كبيرة في المناطق.
وتابع: ولتحقيق توازن في السوق بين عاملي العرض والطلب، قامت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بدعم وتشجيع وتحفيز المطورين العقاريين عبر برامجها ومبادراتها كمركز خدمات المطورين العقاريين (إتمام) وبرنامج الشراكات مع القطاع الخاص وبرنامج البيع على الخارطة (وافي) والتي قامت بتوفير وتهيئة بيئة مناسبة لصناعة التطوير العقاري في المملكة، وجاذبة للمطورين والمستثمرين العقاريين لإنشاء وتطوير مشاريع سكنية مختلفة ومتعددة” مما يسهم في تقليص فجوة العرض والطلب.
الأسعار ستتراجع
وحول مشروع وسط جدة، يؤكد المهندس زياد أن استراتيجيات تطوير المدن يعد حراكا تنمويا واسع النطاق يستهدف إيجاد مخططات وأحياء سكنية مخدومة ويساهم في خلق مجتمعات حيوية وفعالة، فإزالة الأحياء العشوائية خطوة هامة وصحية وضرورية لإعادة تأهيلها وتطويرها وتجهيزها بكامل خدمات البنى التحتية ، والمرافق الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية بما يتلاءم مع متطلبات تحقيق جودة حياة ورفاهية للمجتمعات السكنية، ناهيك عن تعزيز الأمن والارتقاء بالسلامة من خطر المباني العشوائية القديمة.
وعن انتقال سكان العشوائيات وزيادة الطلب في أحياء أخرى ، قال إن إزالة تلك العشوائيات دفعت بعض تجار العقار لرفع الأسعار بسبب زيادة الطلب على الوحدات السكنية، ولكن ما أن يتم الانتهاء من تأهيل وتطوير تلك المناطق العشوائية ستعود الأسعار للاستقرار عند معدلاتها الطبيعية ونسب نموها المتوقعة ، لافتا إلى أن الاستمرار في العمل على سياسات وتشريعات وتنظيمات تقوم بضبط عملية تداول العقارات والإفراغات للأراضي السكنية سيساهم بشكل كبير لكبح جماح التضخم ، كما يسهم برنامج رسوم الأراضي البيضاء بشكل فعال في دفع ملاك الأراضي الخام على سرعة تطويرها وتوفير منتجات سكنية لزيادة المعروض ليتمكن من استيعاب حجم النمو في طلبات الإسكان.