البلاد ـ مها عواوده
تعد الغيرة المهنية مشكلة يواجهها الكثير من الأشخاص. وقد تؤثر على ادائهم وعلى انسجامهم مع المحيط المهني. وقد تنشأ بسبب التفوق والتميز او أو الحصول على ترقية او مديح المسؤولين المتواصل. لكن الحل ليس ترك العمل بل التعامل مع غيرة الزملاء بذكاء والعمل على اطفائها وكسب ود الجميع وتوفير اجواء عمل ايجابية تساعد الجميع على تحقيق النجاح.
وأكد مختصون أن غيرة الزملاء في مكان العمل ليست امراً غريباً. فهي شائعة في كل المجالات والبلدان. ويكون سببها عادة المنافسة على المراكز والانجازات واهتمام المسؤولين. ورغم هذا يمكن تفادي انعاكاساتها السلبية على النفسية والاداء بالانتباه الى بعض النصائح ، هذا النوع من الغيرة قد تأخذ أوجهاً مختلفة أو توصيفات لطيفة كالإعجاب، والمنافسة قد تصل في ذروتها إلى الحسد أي تتحول إلى شر طائش لا يعرف حدوداً.
واستطردوا أن الغيرة شعور طبيعي يولد مع الإنسان وكل شخص يمكن أن يغير من أي شخص في محيطه يسبقه أو ناجح أكثر منه لأن الكل منا يسعى للكمال، لافتين إلى أن معظم المؤسسات تضم عددا كبيرا من الموظفين من مختلف الطباع والعادات والتقاليد، وهذا له دور كبير في خلق المنافسة والغيرة بين الزملاء في العمل، وانعكاسا للحاجة الداخلية عند الإنسان في النمو والتفوق على غيره وتقديم الأفضل لما فيه مصلحة العمل والارتقاء به، والمنافسة الشريفة تقود إلى التطوير والإبداع في العمل دون محاولة هدم جهود الآخرين والتقليل منها، أما إذا أخذت المنافسة شكل الغيرة فمن شأن ذلك أن يضر مصلحة العمل، ويكبح الإبداع والارتقاء.
عدم الثقة
الأخصائي الاجتماعي عبد الله الشهري يقول إن الغيرة السلبية سلوك غير محمود وقد تكون أحد العيوب الشخصية لدى الإنسان الذي يعاني من نقص لديه أو عدم ثقة في نفسه ومن يركز على الآخرين أكثر من تركيزه على نفسه. ويرى أن هذه الصفة تكون موجودة عند بعض الأشخاص مع إمكانية ضبطها.
مشيرا أن علاجها يكمن في تذكير الشخص لنفسه بأنه شخص مميز ولا يسمح ان يدخل في مقارنات مع أشخاص آخرين.
وأضاف «أغلبنا قد يحدث لديه غيرة ولكن بنسب متفاوتة وهذا قد يكون من ضعفنا الإنساني ولكن الشخص المتزن والواعي والذي يستطيع ضبط هذه الأمور من عدم الإنجراف وراءها وذلك من خلال التركيز على ذاته وتحفيزه نفسه ومحاولة تحقيق ورسم أهدافه».
مع ضرورة التركيز على كيفية التطوير من الذات والإنجاز بشكل أكبر بدلا من جلد الذات بأن هناك شخصا أفضل وأكثر تميزا.موضحا أن الرجل والمرأة كلاهما لديهما الغيرة المرضية التي تعبر عن نقص في الشخصية ولعلاج ذلك وجب العمل عليها لتفاديها حيث لابد من الاتجاه إلى صقل المهارات.
شعور طبيعي
تؤكد المستشارة النفسية ندى الأطرش أن الغيرة شعور طبيعي وصحي في بعض الأوقات ومن الممكن أن تدفع الفرد للإنتاج والعمل بصورة أفضل لو أخذت شكل المنافسة الشريفة.
وحول أسباب الغيرة في العمل قالت: هناك أسباب شخصية فقد يكون الشخص يعاني من مشاكل مثل عدم الثقة بالنفس أو رغبة في سيطرة والبروز على حساب الآخرين، ثانيا أسباب خاصة بالعمل مثل أن تكون بيئة العمل غير عادلة في التعامل مع الموظفين في الترقية والاجازات أو أنها بيئة ظالمة لاتعامل الموظفين حسب قدراتهم بل لها معاير أخرى في التعامل.
سمات الشخصية
وتستطرد المستشارة ندى مؤكدة أن الغيرة مرتبطة بسمات الشخصية فمن الممكن أن يكون الشخص فاشلا وغير مبالٍ ومن الممكن أن يكون فاشلا غيورا.
مشيرة أنه من يعاني من بعض المشاكل النفسية كأصحاب الشخصية الهستيرية وغياب الثقة بالنفس أكثر غيرة بينما الأشخاص الناجحون يميلون للتنافس. كما أشارت أن الرجال لديهم غيرة أكثر من النساء في بيئة العمل وأن لديهم قوة في التنافس أكبر من المرأة. حسب قولها موضحة وجود بيئة عمل أنانية مشجعة على الغيرة وترى أن ذلك يزيد من الإنتاجية ويصب في مصلحة المؤسسة لانها تستخدم مشاعر الآخرين لتحقيق مصالحها في حين تكون البيئة العادلة والواضحة في توزيع أدوار العمل والتي تستخدم المدح والثناء أثناء إدارتها للموظفين ستساعد في التقليل من الشعور بالغيرة. لافتة الى ضرورة أن تكون بيئة العمل داعية للتنافس.
مهارات وقدرات
من جانبه يرى الدكتور محمد العمري مستشار أسري واجتماعي أن هذا النوع من الغيرة الذي يقع بين الزملاء في بيئة العمل وترتبط بأسباب مهنية تعرف بالغيرة المهنية، وبهذا يمكن التمييز بينها وبين الغيرة الذاتية أو الشخصية وإن كان يصعب الفصل بينهما لتأثر كل منهما بالآخر. مؤكدا أن الدافع الرئيس للغيرة يعود بشكل عام إلى عدم الشعور بالأمن النفسي والوعي بالذات من حيث المهارات والقدرات والاستعدادات.
أما أسباب الغيرة المهنية؛ فيمكن ارجاعه إلى جملة من الأسباب من أهمها: الشعور بعدم العدل سواء كان حقيقة أم وهم، ومن ذلك التمييز في الترقيات مثلا على أساس عاطفي غير مهني مما يولد الغيرة لدى بقية الزملاء كذلك النزعة الفردية للمؤسسة وعدم العمل بروح الفريق تنمي لدى الموظفين الغيرة المهنية، وأيضاً ضعف المهارات الشخصية لدى الموظف وعدم قدرته على منافسة الزملاء يولد لديه الغيرة.
موضحا أن الغيرة في أصلها طبيعة بشرية لا يخلو منها فرد لكن عندما تتجاوز الحد الطبيعي تتحول إلى معول هدم لذات الفرد قبل الآخرين وبالتالي يمكن القول أن الغيرة الطبيعية لها جانب ايجابي في تحقيق التنافس المحمود الذي يحقق أهداف المؤسسة أو حتى تطوير الفرد لذاته للحصول على المهارات المطلوبة في مجال عمله.
كما لفت إلى أن الشعور بالغيرة ليس خاصاً بالفاشلين ولكن الفشل والشعور بالإحباط يولد شعوراً عدائياً يظهر في صورة غيرة وحسد تتخذ صوراً متعددة قد تصل إلى الجانب الشخصي أو المهني. ولذلك ينبغي للمؤسسات الحكومية والخاصة أن تتنبه لهذا الأمر قبل وقوعه لأن انتقام الفشل قد يضر بالمجتمع المهني ويعطل الإنتاج ويؤثر على العميل والمستفيد.
عوامل وراثية
وحول ما إذا كان الرجال أكثر غيرة من النساء قال: الواقع أن الدراسات في هذا المجال متضاربة إلى حد كبير في ترجيح أحد الجانبين، والذي أميل إليه أنه لا يوجد فرق واضح يعزى إلى ذلك ، وإنما العوامل الوراثية والتنشئة الاجتماعية والبيئة المحيطة والجوانب الشخصية المختلفة للفرد رجلا أو امرأة علاوة على الأسباب المتعلقة بالعمل والتي تحدد قوة أو ضعف دوافع الغيرة المهنية لديه.
وحول أفضل السبل لترويض غيرة الزملاء في العمل أضاف: هناك أسباب تتعلق بالمؤسسة: ومنها توخي العدل والتعامل مع الموظفين على أسس ومعايير مهنية إدارية مقننة وواضحة للجميع، وأسباب تتعلق بالأفراد منها: عدم مقارنة الموظف نفسه بغيره؛ وإنما يمكنه قياس مهاراته ونجاحه من عدمه بأهدافه الشخصية وأهداف المؤسسة، وأيضا محاولة تحديد أسباب غيرته لمعالجتها، تقديم الدعم النفسي والمهني للزملاء يحد من الغيرة، والتحلي بالإيجابية في التفكير والتخطيط والتنفيذ والعمل بروح الفريق كل ذلك يسهم في تعزيز الايجابية ووأد الغيرة.
تحجيم النجاح
مدير سابق لإحدى الشركات في العاصمة الرياض قال :الغيرة نوعان:غيرة سلبية وغيرة إيجابية الغيرة السلبية لها أسباب قد تكون ذات منشأ شخصي عند البعض فتجده يغير من نجاح الآخرين ، والمكانة التي وصلوا إليها في العمل ، في الوقت الذي يكتفي هو فيه بالانتقاد وتحجيم نجاح زملائه دون أن يبادر هو بأية خطوة إيجابية تحسب له أو غيرة ناتجة عن سوء إدارة المسؤول للموظفين في المنشأة ، إما بعدم تطبيق مبدأ العدالة في المعاملة مع منسوبي المنظمة أو الاعتماد على الشللية في تسيير العمل وإهمال موظفين قد يكونون أكثر كفاءة وإنتاجية.
أما الغيرة الإيجابية فهي ذلك النوع من الغيرة التي تدفع المقصرين في العمل والموظفين المبتدئين للاقتداء بزملائهم الناجحين والتنافس معهم بقوة لتحقيق أهداف المنشأة والوصول إلى المكانة التي يتطلعون إليها.
وتابع «في النهاية يبقى دور قائد المنظمة مهما في تحويل الغيرة السلبية والصراع الناتج عنها إلى ساحة تنافس صحي وبيئة عمل منتجة بتلافي كل الأسباب المؤدية عادة إلى شيوع الغيرة غير الحميدة التي تكون حجر عثرة في سبيل تطوير المنشاة وتحقيق أهدافها».
معاناة من القلق والخوف
يُعاني الشَّخص الغيور من قلق وخوف ومشاعر سلبيَّة دائمة؛ ذلك لأنَّه يقضي معظم وقته في متابعة ومراقبة زملائه، ومقارنة نفسه بهم، وقد يمتعض ويغضب من نجاحهم ويتمنَّى أن يفشلوا، وقد يُصاب بالإحباط والكآبة لشعوره بأنَّه أقلُّ منهم وأنَّهم أفضل منه، فيتراجع عمله لأنَّه يُركِّز في إنجازات الآخرين وليس في إنجازاته، إضافة لخسارة زملائه، فالشَّخص الغيور إنسان مكروه بطبيعة الحال. وكل هذا ينعكس سلباً على حياته المهنيَّة وحتَّى العائليَّة؛ لأنَّه سينقل كل هذه الطَّاقة السَّلبيَّة للبيت.
للتَّخلُّص من الغيرة المهنيَّة يُنصح بما يلي: من أولى خطوات التَّخلُّص من الغيرة المهنيَّة، أن يعترف الانسان لنفسه أنَّه شخص غيور، ويفتح مع نفسه حواراً يعرف به أسباب غيرته من زملائه.
من أخطر ما قد يقع فيه الإنسان هو المقارنة، مثل مقارنة نفسه مع الآخرين، ومقارنة ما يمتلكه الآخرون وما ينقصه هو، والتَّركيز على إنجازاتهم؛ فيقضي وقته بالتَّركيز على الآخرين، بدلاً من التَّركيز على نفسه وعلى تطويرها، ويُصاب بالتَّعب والإحباط؛ فمن راقب النَّاس مات همَّاً.
فضلا عن تعزيز الثِّقة بالنَّفس:حيث تعد الثِّقة بالنفس خط الدِّفاع الأوَّل في مواجهة الغيرة بكل أنواعها، والمهنيَّة منها، فعندما يكون الإنسان واثقاً من نفسه، يعرف تماماً أين هو الآن وإلى أين وكيف سيصل، ولا يعنيه الآخرون وما يحصلون عليه، ولو تقدَّموا عليه لن يتأثَّر لأنَّه واثقٌ من نفسه ومن قدراته وأنَّه سيحصل على فرصته بالوقت المُناسب له.
عندما يشعر الإنسان بشعور الغيرة يتسلَّل إلى داخله، فليُسارع إلى مساعدة زملائه، وتقديم العون لهم، فهذه المشاعر الإيجابيَّة تُلغي شعور الغيرة لديه، وتجعله يشعر بسعادة أن يكون سبباً في نجاح غيره.
وحتى يتخلَّص من الغيرة عموماً، يجب أن يُحصِّن نفسه بالقناعة والرِّضا عن نفسه، فالسِّر في الأُناس المُتعافين نفسيَّاً من الغيرة وغيرها، أنَّهم شعروا بالرِّضا عن أنفسهم، وأدركوا أنَّ السَّعادة أن تستمع بحياتك وبما لديك دون مقارنتها بما لدى الآخرين مع السَّعي لتحسين حياتك، والإيمان بفكرة أنَّ كل شخص سيحصل على ما يُريد.