البلاد ـ مها العواودة
لم يعد بيت الشعر ( خير جليس في الزمان كتاب )، يناسب العصر التقني ، خصوصا وأن الوقائع والمشاهدات أثبتت أن ما جمعه مثقفون ومبدعون من كُتب، تمثّل لهم كنوز عمرهم، ودفعوا بها من قوتهم، ليبيعها ورثتهم لاحقاً في حراج بيع الخُردة بأبخس الأثمان، وتطلّع عدد من المثقفين لتأسيس مبادرة تضم المكتبات الخاصة بأسماء أصحابها تحت سقف واحد وتتاح لاطلاع الجميع والاستفادة منها وتخلّد ذكر الراحلين منهم والباقين.
وأكد أدباء وشعراء ومثقفون أن التقنية الحديثة ألغت دور المكتبات المنزلية حيث أصبحت هذه المواقع تستجدي وأصبحت عرضة للغبار والنسيان ، لافتين إلى أن عملية القراءة تأثرت بما تعرضت له الثقافة من تحول تكنولوجي حيث تغير هذا الكل المركب الذي يشمل العادات والمعتقدات ولم يعد يتصف بالانتقائية في عصر مواقع الشبكات الاجتماعية وارتباط الإنسان بهاتفه الموصول بشبكة الإنترنت. أحد الجوانب السلبية لممارسات القراءة في عصر الفضاء الافتراضي، كما يرى البعض أن القراءة أضحت سطحية وعابرة؛ فالإنسان أصبح يقرأ ما يقع بين يديه غثا أو سمينا، وتقلصت قدرته على الانتقاء، بل وفي كثير من الأحيان يجد الإنسان نفسه يقرأ ما ينتقيه الآخرون له. أما عن الجوانب الإيجابية فربما أهم ما يميز النصوص الإلكترونية هو التنوع والتفاعلية؛ فقد أصبح بإمكاننا التعليق على النصوص، ونسخها بكبسة زر، ومشاركتها مع الآخرين في اللحظة الآنية، بل وأمكن الآن التواصل مع مؤلف النص والنقاش معه.
طفرة تقنية
من جانبه يشير الكاتب السعودي مشاري الوسمي إلى أن المكتبة المنزلية أصبحت في عرف بعض المثقفين وهواة جمع الكتب غير ذات قيمة ؛ وذلك لعدة أسباب منها : الطفرة التقنية التي سهلت للقارئ الحصول على مايريد من كتب إلكترونية بأسهل الطرق وأقل التكاليف ولا تحتاج إلى مساحةً للتخزين داخل المنزل .
وحول قدرات صمود الكتاب الإلكتروني أمام الهجمات التقنية قال:” ذلك يعتمد إلى حدٍ كبير على دور النشر والمنصات الإلكترونية التي تروج لهذه الكتب ، حيث يجب أن يكون الكتاب الإلكتروني هدف المستقبل والعمل على بنية تقنية وحماية متطورة تمنع الهجمات التقنية وتحفز المؤلفين على التوجه الإلكتروني لمواكبة الثورة التقنية”.
الكتاب الإلكتروني
ترى الكاتبة الروائية السورية مريم محيي الدين الملا أن هناك من يدعي الثقافة ويحرص على جمع الكتب ووضع مكتبة في الصالون أو في مجلس الضيوف لكي يعطي فكرة للزائر أنه مثقف ويحرص على اقتناء الكتب وهو لا يعرف ماهي عناوين أو محتوى هذه الكتب وهم نسبة كبيرة في مجتمعاتنا العربية وهنا تسقط المكتبة وسيكون مصيرها التقاعد.
مشيرة أن قليلين جدا من لديهم مكتبة حقيقية يعرفون كل أسماء الكتب واسم كاتبها وكم صفحة وكم عدد إصدارات الكاتب وهنا مهما كانت الظروف ستصمد مكتبتهم في وجه رياح التغيير فالكتب ذو قيمة و مقدسة بالنسبة لهم.
كما ترى أن الكتاب الالكتروني منذ ظهوره لم يأخذ حظه كثيرا في الاستخدام والسبب هو عدم رغبة الكثير من المثقفين في التصفح الالكتروني بعد أن اعتادوا قراءة الكتب الورقية حيث لذلك لذة لا يميزها إلا من تذوقها.
موضحة حسب قولها أن حب الكتاب الورقي لا أحد يستطيع انتزاعه رغم المحاولات والجهود المبذولة من قبل البعض مستدركة بالقول “ربما تتغير الأمور خلال السنوات القادمة حيث الجيل الجديد يميل لاستخدام التكنولوجيا أكثر من الكتب الورقية”.
تأثير العولمة
تقول الكاتبة السعودية فوزية القحطاني إن من الطبيعي ونحن في عالم سريع التغير في القيم والعادات والسلوكيات ان تتغير طبائع القراء وتوجهاتهم تبعا لايقاع الحياة في ظل تأثير العولمة وتطور وسائل الاتصال الإعلامي والاجتماعي فإذا كان الكتاب المطبوع سابقا مصدر وحيد لتلقي المعرفة والمعلومات بات اليوم لدى المتلقي عدة وسائل ووسائط لاستقاء المعلومة والأفكار وبايقاع سريع يواكب سرعة الاتصال”.
مؤكدة أننا أمام واقع جديد يتجه فيه الافراد نحو المعلومة السريعة والاستفادة من ما اتاحته ثورة المعلومات من السوشيال ميديا والبث الفضائي والاتصال المرئي بحيث أصبح من الصعوبة على أجيال نشأت في ظل هذا الفضاء أن تتبع نفس عادات وطقوس القراءة في الكتب مثلما كان في الماضي، القاريء يبحث عن فديو أو كناب مسموع ملخص ولذلك فإن طرائق تلقي المعرفة ينبغي أن نأخذ بالمتغيرات الجديدة. السوشيال مؤكدة أن الكتب باتت ملاذ كبار السن أو الذين يعدون اطروحات جامعية.
الرفيق المؤنس
أما الشاعرة البحرينية موزة المنصوري فتؤكد أن أية مكتبة لن تصبح يوما بلاقيمة ، فالكتاب هو الرفيق المؤنس ، الصادق ، المخلص ، ويوما ما سيعود توهّج الكتاب من جديد ، وعلى الصعيد الشخصي لازالت مكتبة بيتي المتواضعة تحضى باهتمامي الكبير ، واهتمام أهلي وأقاربي ، وأحرص على خلق جو حميمي يجمع أطفال العائلة بهذه المكتبة فوضعت فيها قصصا مشوّقة ، وقسم خاص بتلوين القصص وذلك لجذبهم .
وحول إمكانية احتفاظ الورثة بهذا الإرث الثقافي قالت”على حسب ميول ، فكر ، وثقافة أهل المتوفى ، ودرجة وفائهم له ، هناك من سيحتفظ به للقراءة والإستفادة ، وهناك من سيبقيه ديكورا جميلا للمكان ، وهناك من سيقوم بتوزيعه ، وهناك من سيساهم به في المعارض المعدّة للكتب المستعملة كصدقة جارية للمتوفي” .
وعن إمكانية عرض أحد المثقفين مكتبته للبيع تابعت”لم أسمع بذلك من قبل ، ولا أتوقع ، فالكتاب عزيز على صاحبه ، فكيف يبيع الصاحب المخلص صاحبه ؟ “.
الكتابة والاطلاع
الكاتب والباحث الفلسطيني ناهض زقوت يقول ” لا نستطيع أن نقول إن المكتبة المنزلية انتهى دورها ولكن الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها المواطن العربي تدفعه إلى البحث عن الأولويات للعيش قبل الثقافة، إلا أن بعض الأكاديميين والباحثين يجدون من الضرورة أن تكون لديهم مكتبة في منازلهم تلبي طموحاتهم في الكتابة والاطلاع”.
وهذا يعني أن المكتبة المنزلية أصبحت متواجدة في المنزل ضمن اختصاص المهتم بالكتاب.
ويضيف “ثمة قضية خطيرة يواجهها أغلب الكتاب والباحثين بعد موتهم، وهم الذين جمعوا هذه الكتب من قوت عيشهم، أن يقوم ورثتهم بالتفريط بهذا الكنز العظيم وبيعه بالجملة في سوق الكتب القديمة، لذلك أنا مع الاقتراح بجمع هذه المكتبات في إطار الدار الوطنية للكتاب باسم أصحابها، أو يتم إهدائها إلى مكتبات الجامعات وتوضع باسم صاحبها”.
أما فيما يتعلق بصمود الكتاب الالكتروني أمام الكتاب الورقي، فيرى أن ثمة تنافس خفي بين الاثنين، حيث ما زال للكتاب الورقي قيمته وقراؤه، وثمة من لم يتعود على قراءة الكتاب الالكتروني ولا يشعر بلذة قراءته.
وثمة جمهور واسع من القراء والباحثين يعتمدون على الكتاب الالكتروني في حال عدم توفر الكتاب الورقي.
وهذا يعني أن الكتاب الالكتروني لم يستطع إلغاء الكتاب الورقي، بل ما زالت دور النشر تنشر مئات الكتب في العالم العربي، وتقام المعارض من أجل الكتاب الورقي.
كما أوضح انه في ظل التطور التكنولوجي للهواتف الذكية، في السنوات القادمة قد يستغني الإنسان عن الكتاب الورقي والاكتفاء بالاكتروني، من حيث أن الالكتروني لا يحتاج إلى مساحة في البيت، بل عبر الجهاز او الايباد.
ديكور بالمنزل
تعتبر الكاتبة العمانية ورئيس مجلس إشراقات ثقافية إشراق النهدي أن المكتبات المنزلية أصبحت جزءا أنيقا من ديكور وركن خاص للاستعراض ولا أكثر البعض يقتنيها ويوظبها فقط ليتباهي برقي مستواه المعيشي كونهم يعتقدون أن الثقافة ترف والأدب رفاهية فحسب بينما ثمة كتاب وأدباء وقراء حقيقين يعتبرونها ثروة لا يمكن مقارنتها بمقتنيات أخرى حيث إن البعض قد سعى إلى جمعها وترتيبها خلال فترات من مراحل عمره مخصصا لها مبالغة مستقطعة من معيشتهم اليومية.
مؤكدة أن المكتبة لها قيمة كبيرة كونها تمثل عقول وأفكار أناس غدقوا على توثيقها منجزين في ذلك وقتا وجهدا كبيرين.
وترى أن الكتب الورقية ما زالت صامدة وهي موجودة ومتداولة وقابلة للاستعارة والتبادل ولا يمكن أن تختفي من حياتنا. مثلها مثل الكتب الإلكترونية ضرورية وملحة في حياتنا العلمية والعملية كونها قادرة على التمرير والإرسال في أقل من برهة واحدة.
مشيرة إلى أن الهجمات التقنية لن توافق الجميع ولا تكون مناسبة لكل الأذواق والأمزجة وهي قد تتطور وتتبدل ويتم التحديث بها ولكن تظل الكتب الورقية مطلوبة خاصة لمن يعاني من عدم القدرة على تحمل غيرها لأسباب قد تكون صحية كضعف نظر أو تأثير إضاءة الشاشة في الكتب الإلكترونية. لافتة إلى أن الكتب الإلكترونية ستظل مهمة لإنجاز المهام كالبحوث والدراسات خاصة بين طلبة الدراسات العليا بسرعة شديدة.
في السياق يؤكد المؤرخ والكاتب السعودي محمد القشعمي أن وضع المكتبات الخاصة بات مؤلما فمنها ما أهملت اروقتها ومنها ما وزعت على جامعات أو فتحت لها أماكن خاصة للإطلاع عليها في حال كان أصحابها رواد واكاديميين.
عنصر أساسي
الكاتب المصري عمر قناوي يشير إلى أن المكتبة المنزلية ستظل عنصرا أساسيا لدى الغالبية العظمى من المثقفين، نهم المعرفة الذي لا ينتهي عند المثقف المتعطش يجبره دوما على اقتناء المزيد من الكتب حتى لو لم ينته من قراءة ما لديه وتابع “أظن أن ما يثار عن تخلي بعض المثقفين عن المكتبات المنزلية هو مسألة انطباعية فقط، فلا توجد مؤشرات تقول أن المثقفين لم يعودوا معنيين بتكوين مكتبات أو الاحتفاظ بها”، مؤكدا أن حركة النشر الواسعة التي يشهدها العالم العربي خلال السنوات الأخيرة والعدد الكبير من دور النشر التي تنضم للسوق باضطراد تؤشر أن هناك اهتماما متزايدا بالكتاب لدى المواطن العربي حتى أن عدد زوار معارض الكتب العربية قبل جائحة كورونا كان يزداد بنسب لافتة، بل إن عملية تزوير الكتب نفسها تزداد انتشارا وتوسعا وهذا يشير إلى نشاط ملموس لسوق الكتاب عموما.
كما أوضح أن المشكلة ليست في المثقفين، بل في الورثة الذين لا يدركون قيمة الكتب التي ورثوها فيسعون للتخلص منها بأسهل السبل.
وعن شأن الكتاب الإلكتروني قال إن مستقبله ما زال غامضا لأنه منتج حديث نسبيا وإن كنت أعتقد أنه لم يثبت حضورا كافيا في منطقتنا العربية”.