كعادتي صحوت مبكرا .. وكان لي موعد مع الحزن والدموع .. عبر رسالة بعثها لي أخي عبدالمجيد أمين .. ينعي فيها الموسيقار غازي علي .. وانتشر الخبر في مواقع التواصل الإجتماعي ، وسيطر حزن كبير على الوسط الفني وعشاق فن غازي علي .. فوفاته خسارة كبيرة للفن والموسيقي في بلادي .. ولكن لا راد لقضاء الله.
وأنا في مرحلة الدراسة المتوسطة .. استمعت عبر المذياع إلى أنشودة .. (محلى إسمك يارياض) .. وأخذني اللحن والأداء والموسيقى إلى عالم الإبهار وعشق الإستماع إليه .. وكانت تلك الأغنية .. هي عربون الحب والإعجاب والصداقة .. والتكيف مع الفن والفنان الذي غناها عندما سمعتها لأول مرة .. بصوته المتميز .. صوت فيه القرار والجواب يمتزجان في حنجرته بشجن آسر .. ومنذ ذلك الحين وأنا أتابعه وأسمعه وأنشر موسيقاه بين زملائي وأصدقائي وأنا لا أعرفه ولم أره.
وشاءت الصدفة أن ألتقيه في سهرة ممتعة .. وكان ذلك في منزل إبن خالي السيد نزيه حسن علي .. وثلة من أصدقائه .. وهم الإخوة .. عبدالمجيد مهندس .. والمخرج المبدع عبدالله باجسير .. والشاعر الغنائي عبدالعزيز النجيمي .. وآخرون .. وسمعته وهو يغني الموشحات لفيروز .. وازداد إعجابي بثقافته الفنية .. ومن يومها تشكل وجداني بموسيقاه .. وانتقل هذا التأثير والإعجاب إلى ابني زياد .. وجذبه إليه كي يتعلم الموسيقي والعزف على أكثر من آلة .. وانتقلت عدوى الإبداع إلى ابني الذي استطاع أن يؤلف المقطوعات الموسيقية وإجادة العزف على القيثار.
غازي علي ولد موهوبا بالموسيقي .. درسها وتعلمها ذاتيا .. ثم كانت وجهته الدراسة الأكاديمية في كونسرفتوار القاهرة .. أستاذه الموسيقار العملاق رياض السنباطي .. وأساتذة كبار آخرون .. وكان رفاقة جيل عبدالحليم حافظ .. والدوكالي ..
أثناء دراسته كان يغوص في تراث الحجاز الفني. وأعاد صياغة الألحان والأغاني والأناشيد التراثية مثل : يالعاشرة خلي الهوى يمشي .. وشربة من زمزم وسقاني .. ويا بديع الجمال وحجينا وجينا .. وغيرها الكثير. لحن لكبار مطربي ذلك الزمن .. فايزة احمد .. ووديع الصافي وعادل مامون وغيرهم.
وكان آخر إنتاج له ألبوم موسيقي أنتجته شركة حجاز كار .. التابعة للمستشار والمؤرخ الأستاذ أحمد باديب عاشق مدينة جدة ورموزها .. ويمكنني أن أزعم أن هذا الإنتاج يمثل نقطة تحول ومحطة فنية متميزة في مسيرته الموسيقية.
الموسيقار غازي علي .. وبحسه الوطني ورسالته النبيلة اتجه إلي تعليم الموسيقي في منزله .. في زمن وظروف صعبة وبيئة قاسية كانت تناهض الفنون والموسيقي .. إلا أنه نجح في تعليم وتأهيل أجيال كثيرة خلال نصف قرن من الزمان.
الموسيقار غازي علي يعتبر أيقونة الفن السعودي .. له لونه الخاص وموسيقاه الأصيلة المتجددة .. لقد كان منارة للأغنية السعودية .. فهو موهوب ومبدع ومؤهل أكاديميا قدم فنا راقيا.
لذلك أهيب بوزارة الثقافة أن تبادر بجمع التراث الفني والموسيقي لكبار الفنانين السعوديين .. الذين أثروا حياتنا الفنية وساحاتها وشكلوا وجدان الاجيال المتعاقبة .. حتى لا يضيع هذا الإرث بفعل التحولات المعرفية والتطور التكنولوجي .. الذي تتحول معه الأفكار والأذواق والقيم والمفاهيم الاجتماعية .. وتتشكل بالضرورة من نتاج ذلك .. الى ذائقة عصرية مختلفة تعكس الزمن الذي نعيشه.
رحم الله الموسيقار المبدع غازي.