جدة – رانيا الوجيه
نتعرض فى كثير من الأحيان لحيرة فى اختيار الهدية التى نقدمها لأحد المقربين منا أثناء مرضه، فلا ندرى هل نأخذ حلوى أم ورد أم هدية أخرى ليتذكرنا هذا الشخص، ومن المتعارف عليه أنه عند ( تنويم) أي فرد من أفراد الأسرة أو الزملاء الى المستشفى لعارض صحي سرعان مانفكر تلقائياً وأحيانا بحماس وبعواطفنا الجياشة.. في ما نحمله للمريض من هدايا نقدمها له .. ويتبادر إلى الأذهان عند ذلك باقات الورود , أو طبق الشوكلاته الفاخرة ..والأكيد أن بعض المرضى لايستفيدون من هذه الهدايا شيئاً فلو أكلوا الشوكلاته أو الحلويات فربما ساهم ذلك في ارتفاع السكر لديهم اذا كانوا يعانون من مرض السكر..
مثلا وحتى الورود والزهور لو تم احضارها للمريض فهي لا تستمر الا ثلاثة ايام، ولذلك حبذا لو حلت فكرة الصدقة عن المريض محل الشوكلاته والورود خاصة وأن بعض المرضى حالاتهم الصحية تتطلب الدعاء لهم والتصدق عنهم انطلاقاً من قوله صلى الله وعليه وسلم( داوو مرضاكم بالصدقة, واعدو للبلاء الدعاء) فمثالا تكلفة الورود الفاخرة لا تقل عن 400 ريال. والشيوكلاته ٢٥٠ ريالا فلو تم التصدق عن المريض بهذا المبلغ عبر الجمعيات الخيرية المعروفة والمعتمدة بنية شفائه ومضاعفة الاجر له لكان أفضل وانسب.
وفي هذا السياق اقترح الدكتور محمود مغربي الحاصل على دكتوراه في ريادة الاعمال التجارية ، عبر صفحته على تويتر مغردا بفكرة جميلة ” وهي إاستبدال الزهور والشوكولاته عند زيارة المريض بتقديم الصدقات له.
ولمعرفة الكثير عن الهدف من هذه الفكرة وآلية تطبيقها التقت “البلاد” بالدكتور محمود مغربي ليتحدث عن أساس طرحه لهذه الفكرة بقوله: ما نراه في المجتمع السعودي من تطور ونمو في شتى المجالات يحثنا كمواطنين او مسؤولين أو إداريين أو حتى إعلاميين في مختلف المجالات، نحاول أن نصل بأفكار تفيد المجتمع بشكل كبير وتفيد الدولة بشكل عام والفكرة التي طرحتها هي عبارة عن عملية خيرية ستفيد الجمعيات الخيرية أيضا وجميع طبقات المجتمع، من خلال زيارة المرضى مبنية على شعائر دينية فعندما نزور المريض ندخل عليه الفرحة والابتسامهة ودعمه معنويا، فزيارة المريض لها ثواب كبير كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم” عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟.
فمن هذا المنطلق جاءت هذه الفكرة طالما ان زيارتنا للمريض نوجد له السعادة والراحة النفسية، فلماذا لا نفكر في أمر آخر يفيد المريض في الحالة الذي يعاني منها، فالله سبحانه وتعالى أوصى بالصدقة ورسوله الكريم أيضا أوصى بالصدقة ، ” داووا مرضاكم بالصدقات” ، فكان من باب أولى استبدال البذخ أو تقديم أشياء قد لا تفيد المريض لاسيما من منظور الحلويات أو الورود التي من الممكن ان تضر المريض أو من معه، وبالتالي تأتي الفكرة أيضا من منظور صحي ، فقد أصبح المجتمع اليوم يتباهى في قيمة الهدية المعطاة فهناك بعض بوكيهات الورد وعلب الشوكولاته تصل قيمتها الى 2000 و3000 الاف ريال، فمن الأفضل أن تسهم هذه القيمة في أمر يفيد المريض ولعلى أن هذه الصدقة تشفيه ويرفع عنه المرض ، من خلال التبرع أو الصدقة عنه.
تطبيق الفكرة
ويوضح دكتور مغربي عن إمكانية تطبيق آلية الفكرة بقوله : فكرت أن يكون هناك تعاون وتنسيق مع الجمعيات الخيرية المرخصة والموثوقة لتتواجد في بعض المستشفيات أو أن تتواجد في أي مواقع أخرى وتتواصل مع المجتمع سواء كانوا رجال أعمال أو طلاب في الجامعات أو موظفين في أي مجال أن يتواصلوا معهم بفكرة عند زيارة مريض أن يقدموا له عملا ينفعه في حياته وآخرته، وخير الأعمال هي الصدقة.
من جهة أخرى لا تعني طرح هذه الفكرة لمجرد مهاجمة ومنع المجتمع من شراء الورود والحلويات بل بالعكس هذه الأشياء موجودة ولها أهميتها في مناسبات أخرى، ولكن عندما تقدم لمريض فأعتقد أن المريض في حاجه لنا بالدعاء له والصدقة عنه، أكثر من الورود التي تبذل بعد فترة قصيرة أو من الحلويات التي قد تضر بصحته.
وعن ردة فعل المجتمع المبدئية نحو الفكرة المقترحة يقول الدكتور مغربي: في الحقيقة أن افراد المجتمع السعودي بجميع شرائحه دائما ما يتفاعلون مع الأفكار الجيدة وهذا ينبثق من ما نراه من حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد في هذا العهد الجميل الذي نعيشه اليوم نجد أفكارا جيدة وجميلة دائما تطرح، ولكن مع كل فكره أو مبادرة جديدة تطرح في المجتمع لابد من الأخذ والعطاء فعند طرح هذه الفكرة وجدت الكثير ممن أيد الفكرة والقليل ممن عارضها.
شعور بالسعادة
وترى من وجهة نظرها دكتوره سحر السبهان: أجد أن هذه الفكرة اعترض عليها حيث أن هناك أمورا جميلة لا نود أن نفقدها ، وعن تجربة خاصة عندما كنت أمرض ويأتي الناس لزيارتي ويقدمون الورود لي يشعرني ذلك بالسعادة، وانا أجد أن الورود والشوكولاته عند زيارة المريض أصبحت كعرف وعادة لدى المجتمع لا نود ان نخسرها، أيضا لا أرى أن التبرع والصدقة عن طريق الجمعيات هو الحل الأنسب، ولكن الأفضل أن تتم الصدقة لأشخاص بعينهم محتاجين أو أيتام وهذا أمر بين العبد وربه ولايجب علم الاخرين بالصدقة .
مبادرة إيجابية
أما الكاتبة آمنة النجعي التي ترى إيجابية الفكرة من زاوية أخرى موضحه بقولها: أرى الفكرة جميلة من جهة وضد من جهة أخرى ، بمعنى في حال كان المريض في أزمة صحية شديدة هنا نطبق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” داووا مرضاكم بالصدقة” مثلا أن يكون هناك شخص يتعالج بالكيماوي أو أن حالته الصحية متدهورة، ولكن يجب أن يتأكد من يقوم بتقديم الصدقة من أن الجمعية الخيرية هذه مرخصة وموثقة، وأنها ستقوم بإيصال الصدقة لمستحقيها سواء كان لبناء مسجد أو كفالة أيتام أو لتحفيظ قرآن وما شابه، وفكرة دكتور مغربي قد تساعد منصات خيريه عديدة مثل منصة إحسان وفرجت، وغيرها من المنصات الخيرية التي من الممكن أن تفعلها تلك الفكرة بشكل أكبر وأكثر. وعن رأيي الشخصي أنا ضد فكرة زيارة المريض وتقديم الورود أو الشوكولاته فهي لا تعود عليه بالفائدة مثل الصدقة.
ولكن من جهة أخرى هناك جزء من المجتمع ماديا نوعا ما وهم لا تعنيهم الصدقة كما يعنيهم اثناء الزيارة بتقديم الورود والشوكولا وإذا لم نفعل ذلك تنهال الإنتقادات، مما يثير بعض الحرج أمام أهل المريض، ولذلك أقترح أن يقدم الأمرين معا الصدقة وباقة الورد أو الحلويات وعلى حسب مقدرته .
صك الوقف
ويؤكد المهندس خالد بدوي أحد أعضاء نادي متطوعي جدة لخدمة المجتمع بقوله: هي فكرة رائعة جدا ويمارسها منذ سنوات مجموعة من الأصدقاء والمعارف أثناء زيارتهم للمرضى، ولكن لم يكن معلنا عنها بشكل واضح بل هي اجتهاد ورغبة شخصية من بعض الأفراد، وعلى سبيل المثال هناك بعض الأصدقاء الذين يحرصون على تقديم صك الوقف أو إيصال التبرع أو كفالة أيتام الذي قام بالتبرع به للمريض الذي سيزوره وكانت ردة الفعل جميلة جدا وأسعدت المريض أكثر من الدخول عليه بباقة ورد وما شابه، وعلى صعيد شخصي أجدها فكرة رائعة وتساهم في مساعدة العديد من الناس المحتاجين الى الصدقات والتبرعات.
ترابط أخوي
ويحلل من الجانب الاجتماعي خالد الدوس -باحث أكاديمي متخصص في القضايا الاجتماعية والاسرية موضحا: لاشك أن من صفات وخصائص المجتمع الإسلامي، أنه مجتمع تكافلي، يقوم على التراحم والتواصل والتواد والبر والترابط الأخوي والإِنساني.. يسوده العدل والتكامل والإحسان.. كما أن ديننا الإسلامي الحنيف دين العدالة الاجتماعية ودين المحبة والرحمة والتضامن الاجتماعي الذي وضع نظاما فريدا للعلاقات الإِنسانية والروابط الأخوية.. من ثوابته وأسسه الحكيمة أن جعل فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق هي المنطلق أو المرتكز التي يقوم على دعائمها بناء المجتمع الإسلامي الحضاري..
ولذلك فإنَّ الصدقات والإنفاق على المحتاجين والمكلومين وبذل المال في أوجه الخير والإحسان مطلب ديني.. وسلوك حضاري.. واتجاه أخلاقي.. وواجب اجتماعي.. إِذْ إن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتفريج كربات الفقراء والمساكين والمحرمين والضعفاء مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي.. وعندما يلتزم المجتمع بهذا القاعدة التضامنية والأخلاقية يجد التكافل الاجتماعي ومنطلقاته السامية.. مكانة مرموقة وبارزة في المجتمع الإِنساني الواعي.. بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه وتتسع فيه دائرة التساند والتماسك الاجتماعي.. انطلاقاً من قول النبي – عليه الصلاة والسلام – في الحديث الشريف.. (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)… وفي الحديث المتفق عليه «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا).. فالصدقة تبارك المال وتقي من مصرع السوء وتزيد الإيمان وتشرح الصدور وتهذب النفوس وتؤلف بين القلوب وتستر العيوب.. وتخفض الفوارق الاجتماعية وتؤصل قيم الروابط التكافلية.. ولذلك فإنَّ من أعظم الأعمال الصالحة.. ذات الأثر الإيجابي على المجتمع.. هي صدقة التطوع.. وهي صدقة اختيارية خارجه عن نطاق وحدود الوجوب.
واستطرد أن الفكرة في اطارها (الصحي والإيماني).. ليست مخجلة أو تقليلاً من قدر وقيمة المريض الذي سنقوم بزيارته وعيادته بل علينا أن نتذكر الوصية النبوية في هذا السياق.. فهي دواء للامراض القلبية والعضوية والنفسية، والصدقة برهان ..وساعتها ستصبح الفكرة ومع مرور الأيام أكثر قبولاً لدى الكثيرين خاصة عندما تكون للجهات الخيرية أماكن مخصصة, ومواقع صغيرة داخل المستشفيات والمراكز الطبية لتكون بوابة تساهم في التبرع باسم المريض وإذا نوى الفرد أن يزور مريضاً فليذهب الى احدى الجمعيات الخيرية المعتمدة ويتبرع بالمبلغ الذي سيدفعه مقابل شراء الورود, أو الشوكلاته , للفقراء والمساكين أو لكفالة يتيم أو أي عمل خيري كصدقة بأسم المريض..يقول طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله : “فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه.
أجرت (البلاد) استطلاع رأي عبر موقع تويتر لقياس النسبة ما بين القبول والرفض للفكرة في المجتمع وكانت النتيجة كالآتي:
ماذا لو تم استبدال هدايا زيارة المريض من الورود والشوكولاته الى التبرع بقيمتها كصدقة جارية للمريض.
مع الإقتراح 79,7 %
ضد الاقتراح 20,3 %