حنان العوفي
قررت ألا أترك الأحداث حتى تتخمر ثم أتكلم عنها ، فأحيانا الكلام حول الأحداث الجارية يوقعك في فخ الاصطياد بالماء العكر ، لكن بعض الأمور لو تُركت فقدت أهميتها، انتشرت بشكل كبير صورة المعلم الذي اصطحب طلابه لمغسلة الموتى كي يشرح لهم الدرس تطبيقا على أرض الواقع ، وبعدها بشكل سريع فتحوا له تحقيقا حول الواقعة ،
وبعيدا عن نتائج التحقيق الذي لا أعرف كيف فُتح ؟! هذا النشاط موجود في الكتاب كما وثق ذلك بعض المهتمين ، بمعنى أن المعلم نفذ المأمول الذي طُلب منه ، المعلم ذلك الكائن المسكين الذي جردوه من مهنته الأساسية إلى ممثل يؤدي دورا – في الغالب – لا يتقنه ، فمهمة المعلم أن يقدم المعلومة التي يعرفها دون أية إضافات أو مسؤوليات أخرى ،
عموما إن ما أثار حفيظة الأغلبية هو الفعل لا الفاعل ، كونك تفاجئ صغارا بحقيقة الموت وهم لم يعرفوا معنى الحياة بعد ! وهذه عادة قديمة سلبت منِّا لوقتٍ طويل التفاؤل والإقبال على الحياة ، كنا ننتظر الدور الذي وصفوه لنا ، نعم ” ذكر الموت ” مهم كي لا نغتر بطول الأمد أو سلامة البدن ، لكن كيف يكون ذلك لمن لم يضعوا أقدامهم على أول الطريق ؟! نكلمهم عن النهاية والبداية لم تأتِ ، نعلمهم ماذا يرتدي الموتى ، وهم لم يتمتعوا برداء الحياة ؟ يعيشون إحساس الوداع دون لقاء ،
ربما ينظر أولئك للأمر من زاوية أخرى وقد تكون هذه الزاوية أفضل من الزاوية التي ينظر منها من يرفض مثل هذا ، لذلك ننتظر كلاما مقنعا كي لا نلقي التهم جزافا على الآخرين ، أما زاويتي أنا كانت عبارة عن صور من ذاكرة المرحلة الثانوية عندما كانت تشرح لنا إحداهن كيف يتم تكفين المرأة وكيف أنها وقفت على بنات في عمر الزهور قد فارقوا الحياة ،
كانت تمر الليالي بعدها مظلمة أتخيل فيها وحشة القبر ، أولئك فارقوا الحياة لأنهم ماتوا ، لكننا في ذلك الوقت فارقناها ونحن لم نمت بعد ، حتى في تعبيرنا عن قوة الحب مباشرة نذهب للنهاية ونقول :” أموت فيك ” يا ترى كيف تعلمنا ذلك؟! يقول الطيب صالح :” كلنا يا بني نسافر وحدنا في نهاية الأمر”.