جدة – رانيا الوجيه
وضعت بصمة لا تخطئها العين في المجال الذي سلكته، وأصبحت أول امرأة سعودية تنال درجة الأستاذية في علم الأدوية، ما جعلها مثالا يتحذى به في مجال التعليم بالنسبة للسيدات، فالدكتورة سميرة إبراهيم إسلام من القلائل اللاتي تجاوزن العقبات المجتمعية ليصبحن في مقدمة النساء ذوات الفكر المتقدم لتعزيز حقوق المرأة، متسلحات بالعلم والمعرفة والعزيمة والإصرار لتحقيق أهدافهن،
مؤكدة في حديث الذكريات لـ”البلاد”، أن دعم والديها كان أساساً لإنجازاتها في المجال الذي اختارته عن رغبة أكيدة، منطلقة لفضاءات علمية رحبة لم تكن وقتها مفتوحة على مصراعيها للفتيات، بيد أنها تمكنت من تحقيق حلمها، فمن الكتاتيب بين مكة والطائف انطلقت في سن مبكرة لتتلقى تعليمها الأول بالإسكندرية؛ ومن هذا المحيط التعليمي الصغير بدأ العالم يتفتح بداخلها لتأخذ الحياة بقلب مفتوح على طموح قادها إلى أن تتحول لعالمة، وتصبح أول بروفسور سعودية على الإطلاق، وأول بروفسور في علم الأدوية على مستوى الجنسين.
•• كيف تعاملت الدكتورة سميرة مع صعوبة البدايات وانطلقت لتحقيق حلمها؟
• للنجاح أسبابه بكل تأكيد، واعتبر أن دعم الوالدين وتربيتهما لنا على “حب العلم” في عقولنا وقلوبنا كان سببا أساسياً في اتجاهي لطلب العلم الذي اعتبره مفتاحاً لتحقيق الأهداف التي نطمح لها في الحياة، وهذا كله بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، ثم تقبل التوجيهات بصدر رحب ورضا نفس الصبر والمثابرة، منذ أن كنت في الابتدائية وحتى حصولي على درجة الدكتوراه، كما أن هناك أشخاصا لهم الفضل بعد الله ثم الوالدين في تحقيقي لهذه النجاحات، فعندما كنا ندرس في الإسكندرية وتصادف وجود الملك فيصل – رحمه الله – في مصر كان يستقبلنا، ويقول لنا: “أنا أبوكم لا تروحوا لأبوكم إبراهيم ولا لعمكم صالح تعالوا لي أنا أبوكم”.
•• من واقع أنك أول سعودية تحصل على درجة الدكتوراه ثم الأستاذية، ما هي الأدوات التي استخدمتيها للوصول إلى هذه المراحل ؟
• الطموح، والجدية، والاجتهاد، وعدم اليأس، هي أربعة أدوات يمكن للشخص عبرها الوصول إلى مبتغاه. لقد وضعت هدفا أمامي وسعيت لتحقيقه دون الاكتراث للعقبات التي تعتري طريقي، وعرفت أن التطور يكمن في البحث العلمي والتعليم الخالي من المجاملة، لذلك كان طريقي واضح المعالم، وساعدني في ذلك أن أبي وأمي قالا لي يوماً ما: “إن الإيمان بالحلم هو أساس تغير الشعوب، وبالعلم نتغير وتتطور مجتمعاتنا”، فانطلقت في طريق الدراسة على الرغم من انعدام الفرص للفتيات حينها، فلم يكن هناك مدارس نظامية، أو جامعات تستوعب الفتيات بالمملكة، ولكني صممت على إكمال تعليمي في مصر لأكون أول امرأة سعودية تحصل على شهادة الدكتوراه على الإطلاق، وكانت فرحة والدي لا توصف، وأذكر أنه بعد حصولي على الدكتوراه في شهر سبتمبر 1970 وعودتي للوطن، أجري لقاء صحفي مع والدي وسألوه عن شعوره بعد أن أصبحت ابنته أول حاصلة على الدكتوراه بالمملكة، قال: “الآن استطيع استقبال الموت بصدر رحب”، وبعد عدة أشهر بسيطة توفى والدي، وتحديداً في يناير 1971 فشعرت بانكسار كبير، لأنه كان نعم السند والداعم. وفي العزاء بعد أن اسودت الدنيا في وجهي واستني سمو الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير – رحمها الله – قائلة: “حققي ما كان يتمناه والدك”، وعندما أردت تحقيق رغبة والدي تواصلت مع جامعة الملك عبدالعزيز، التي كان مديرها في السابق، وتحدثت مع وكيل الجامعة وقتها الدكتور أحمد محمد علي، وطلبت الالتحاق بالعمل في الجامعة بشكل تطوعي، وقد وكان ذلك.
حق التعليم للفتيات
•• رحلة ما بعد الحصول على الدكتوراه كيف كانت؟
• بدأت مباشرة مشوار الدفاع عن حقوق الفتيات في التعليم من أجل السماح لهن بدخول الكليات الجامعية بشكل منتظم للدراسة حتى يحققن أحلامهن، فمنذ معرفتي بمعاناة والدتي من التعليم القاسي في مرحلة الطفولة، ومرورها بتجربة تعنيف مؤلمة من إحدى المعلمات في “الكتاتيب” ما دفعها لترك الدراسة، قررت تهيئة أفضل الظروف للفتيات ليدرسن بشكل نظامي دون تعنيف كما كان في السابق، كما أن بنتي هي الأخرى تعرضت لتجربة مماثلة في إحدى مدارس جدة، ولكني تداركت الوضع، وأرسلتها للدراسة في لندن حتى أصبحت دكتوره نغم محمد رمزى أخصائية جراحة تجميل، ولا تزال تعيش هناك وتمارس مهنتها، غير أني لم أكتف بذلك بل اجتهدت لتجد كل الفتيات الأجواء الملائمة للدراسة داخل المملكة.
خدمة الوطن والمجتمع
•• بعد مسيرة حافلة بالتميز الدراسي وحصولك على مبتغاك، هل كانت رغبتك الوصول إلى منصب بعينه أم أن الاهتمام بالجانب الأكاديمي كان هو هدفك؟
• لم أسعَ يوما لنيل المناصب، بل كان هدفي خدمة الوطن والمساهمة في بناء المجتمع، وحين أردت الالتحاق بالعمل كانت الرغبة الأولى هي العمل في الجامعة متطوعة بقسم السكرتارية لإرسال المذكرات للطالبات في المدن المختلفة، من بينها المدينة المنورة، والطائف وغيرها، واستمررت في ذلك لفترة طويلة، إلى أن أصدر الدكتور أحمد محمد علي قراراً بتعييني على وظيفة محاضر بالجامعة بأثر رجعي، ما أكسبني ثقة كبيرة، كما أن الدعم الذي وجدته من زملائي الموجودين في أماكن صنع القرار سهل عليّ التواصل والمشاورة وأعطاني صلاحيات كبيرة مكنتني من تحقيق الكثير من الإنجازات من بينها: الحصول على الموافقة بإلحاق الطالبات بالدراسة النظامية بكافة جامعات المملكة – الجامعات آنذاك كانت جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك فيصل – بعد أن كانت الفتيات يدرسن من المنازل أو عن طريق الانتساب ويأتين نهاية العام للاختبار، وبالمناسبة كان دعم الرجال لي أكثر من المرأة، ولذلك أتمنى أن أرى نساءً يدعمن زميلاتهن أو طالبتهن من الفتيات ليحققن أحلامهن وطموحاتهن.
أهم الإنجازات
•• مسيرتك العملية مليئة بالإنجازات عبر مناصب مختلفة، ماهي أبرزها؟
• أعتقد أن نجاحي في تحقيق هدفي الدراسي أكبر إنجاز على الإطلاق، ومن ثم تأتي الإنجازات في المجال العملي لاحقاً، فالأساس هو التميز التعليمي الذي يمهد لنجاحات عملية، أهمها تأسيس كلية العلوم للطالبات في فرعى جامعة الملك عبدالعزيز في مكة وجدة، وتأسيس أقسام الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات في كلية التربية بفرع جامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، كما أدخلت الدراسات النظامية للطالبات في الجامعات بعد أن كانت الدراسات بالانتساب والدراسات المسائية فقط، واستحدثت كلية العلوم للطالبات بمنشآت كلية الطب وعكفت على تطويرها حتى أصبحت كلية مستقلة بالجامعة، كما أنني أول سيدة تمنح لقب وكيلة كلية بالجامعات السعودية وذلك في كلية العلوم بجامعة المؤسس. وكنت أيضاً من مؤسسي كلية الطب ابتداءً من اختيار الهيئة التدريسية والإدارية إلى كامل منشآتها، كما توليت إنشاء وتأسيس برنامج التمريض بكلية الطب والعلوم الطبية، وعملت مستشارة إقليمية لمنظمة الصحة العالمية، ووضعتني هيئة اليونسكو عام 2000م ضمن أفضل 32 عالمة متميزة لجائزة المرأة والعلوم في مجال العلوم، واخترت من بين 400 عالمة رشحن من قارات العالم الست، كأول سيدة عربية ومن العالم الإسلامي تحصل على هذا الترشيح.