لنا أن نتصور مجمل المواقف الإنسانية، وكان للمجتمعات الراقية النصيب الأوفر بقيامها بها، إيمانا منها بدورها الحضاري، ومنهجها السياسي وحرص قياداتها على ترسيخ مفهوم التعايش مع الأديان الأخرى، واحترام المذاهب والعقائد الدينية وحرية الممارسة، بما لا يتعارض مع احترام التقاليد والعادات للشعوب تمسكا بتلك المبادئ الخالدة وبمساعيها الحميدة للمساهمة بفاعلية للبناء الحضاري، وتعزيز دور الرسالة السماوية السامية، والبحث عن هذه القيم الأخلاقية لابد من وجود أرضية خصبة ومشجعة، يمكن تحقيق نتائج ايجابية من خلالها، قد تتوفر في مجتمع من المجتمعات، وإن اختلفت المعتقدات الدينية وتباينت المذاهب، وهنا تكمن خطورة الموقف، وقد تكون مواقف متعددة تتقارب وتتباعد وفق المفاهيم والأمزجة والمعطيات.
وهذا التباعد له خطواتها الكبرى ولاسيما في زمن التوترات والأطماع والصراعات وعلو صوت لغة الأنا، وما لم تتوفر أمام هذه الحزم الشائكة، لغة مشتركة في التواصل الاجتماعي، تشجع على إقامة لقاءات فكرية وثقافية، تشرف على الإعداد لها لجان أكاديمية متخصصة بخطاب واقعي بعيدا عن الإنشاء، ويسمح لجيل من شباب الجامعات الانخراط في حوارات فكرية وثقافية، تحقق قدرا كبيرا من الأماني والطموحات التي تنظر لها هذه الأجيال بكثير من الأهمية.. ومن الشجاعة أن يكون للنقد مساحة كبيرة من القبول، وتعطى الآراء الاخرى فرصة المشاركة في عدد من هذه المؤتمرات، بتخصصات وأطروحات في شتى العلوم ذات الارتباط المباشر بالحياة، لكنها في نهاية الأمر تصطدم بأن إعدادها المسبق تم بدون أخد آراء المشاركين فيها.
وبعض هذه المؤتمرات والندوات تنفق عليها الدول مبالغ هائلة، تتجاوز التكلفة العادية تتحملها الجهات الرسمية المنظمة، والبعض الآخر تنظمه مراكز أبحاث ودراسات، في الطب والاقتصاد والسياحة وغيرها من قوائم يطول الخوض في تفاصيلها، وتجد تغطيات إعلامية على قدر كبير من المهنية، لكنها لا تلبث ان تتوارى عن الانظار بعد انقضاء الأسبوع الأول من إقامة المؤتمر أو الندوة..وهناك مشكلة بدأت تظهر على السطح بإسناد محاور المؤتمر لشركات ومراكز أبحاث، تدعي أنها جديرة بانجاح المؤتمر وتحقيق أهدافه، في ظل تكلفة مالية مقننة، وبالتالي تتمتع هذه الشركات ومراكز الدراسات بحصرية نشر الإعلانات، وفق تصنيفات معينة برونزية وفضية وذهبية، ومن خلالها تقبل مشاركات الأبحاث وأوراق العمل في المؤتمر، وبالتالي فإن نوع ومستوى المشاركة غالبا ما يخضع لرؤية تلك الشركة أو مركز الدراسة.
لا زال الأمل منعقدا في عالمنا العربي، على وزارات التعليم والجامعات والثقافة والإعلام وبقية الوزارات المعنية، أن يسند تنظيم هذه المؤتمرات للجامعات، ولاسيما التي تمتلك تجارب عالمية ناجحة سابقة، وتتوقف المشاركات على أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا، متى ما كانت المشاركات تنطبق عليها معايير الأبحاث والدراسات العلمية الجادة، لأنه لم يكن لدينا الوقت والقناعة معا، لنصدق كل ما يطرح علينا من أفكار وآراء، قد لا تتناسب مع مفاهيم المجتمع والتنوع الفكري والثقافي الذي يتمتع به، وأصبح جزءا أساسيا من نسيجه الاجتماعي، كضرورة حتمية وليس ملء فراغ ومكتسبا ماديا حلو المذاق، لا يحقق إضافة في التنمية البشرية تعكس المظاهر الحضارية للمجتمع، الذي تقام فيه تلك المؤتمرات وتتصف بالفاعلية ويرتقي لترسيخ مفهوم التعايش.