جدة – نجود النهدي
عملت المملكة على برنامج جودة الحياة وتأهيل الجانب الاجتماعي لكافة فئات المجتمع منذ وقت مبكر إلى جانب الاهتمام باحتياجات المكفوفين من فاقدي البصر عبر الدراسات والبرامج والأبحاث في ظل ما تشهده المملكة من نهضة معرفية واقتصادية مكنتها لأن تكون احدى أهم الدول التي برزت في استخدامات اللغة العالمية للمكفوفين “برايل” ، وتشجيع فاقدي البصر أو من يعانون من ضعف حاد به على القراءة والكتابة وتوطيد تواجدهم الفعلي في المجتمع، ولكون لغة برايل أضاءت الطريق لملايين المكفوفين وساهمت على نطاق واسع في إشباع حاجتهم للمعرفة والعلم، وأصبحوا قادرين على القراءة والكتابة كغيرهم من الأشخاص، فإن ذلك يحتم تضافر الجهود لخدمة المكفوفين والعمل على إيجاد حلول فعلية للتغلب على مشكلاتهم التي تواجههم.
وعملت المملكة منذ وقت مبكر على خدمة وتطوير برامج العمل للمكفوفين في مجالات كثيرة، حيث أنشأت المعاهد والدورات والبرامج المختلفة إلى جانب تهيئة المدارس والجامعات بذلك عبر برنامج وطني يضمن حق المكفوفين في العلم والمعرفة وكانت طباعة القرآن الكريم بخط برايل إحدى أهم الدلائل على مدى اهتمام المملكة بهذه الفئة، حيث تتميز بأعلى مواصفات الجودة شكلاً ومضموناً، بعد أن خضعت للتدقيق والمراقبة الشاملة من قبل المختصين في هذه اللغة، إضافةً إلى تقديم خرائط إرشادية لمؤسسات الطوافة الداخلية والخارجية تسهيلاً على حجاج ومعتمري بيت الله الحرام إلى جانب الكتب الثقافية والوطنية وتفعيل الطباعة الفورية والبرامج الالكترونية واستخدامات الذكاء الاصطناعي.
ويأتي هذا الاهتمام ضمن سلسلة حلقات أبرزها تأسيس مراكز متخصصة في تقديم عدد من الخدمات والبرامج الاجتماعية والنفسية والتربوية من الجنسين، وأسرهم والعاملين في حقل الإعاقة البصرية، إضافةً إلى تعريف المجتمع وتوعيته بقدراتهم واحتياجاتهم.
” البلاد ” التقت بعدد من ذوي الهمم والمختصين فأكدوا أن الدولة وفرت الدعم الصحي و الخدمات الطبية اللازمة لهم وكافة أوجه الرعاية المتخصصة وفق حالتهم سواء كانوا ذكوراً أو إناثا، ووفرت العيادات المتخصصة ومراكز الرعاية الاجتماعية لهم إضافة إلى تقديم الدعم المالي من خلال الإعانات وفق حالتهم وإنشاء برامج تمكنهم من العمل في القطاع الخاص تابعة لوزرة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بل وتوفر لهم كل سبل الراحة بما يوازي إعاقتهم ونوعها وأيضا تعزيز بيئة العمل لهم ليكونوا أشخاصا منتجين وكذلك دمجهم بالمجتمع في التعليم العام والعالي وأيضا تقديم كل الدعم لهم وتوفير معلمين متخصصين لهم وبرامج ووسائل تعليمية تناسب إعاقتهم.
وفي هذا السياق أبرز المستشار وعضو في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان “عبده الأسمري” الجهود لتعزيز وحماية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة البصرية.
وقال: نسعى لتمكين طريقة البرايل الخاصة بالمكفوفين ودمجهم بالمجتمع، لتسهيل الحياة لهم بطريق أفضل كما أن من واجبنا دعمهم وجعل حياتهم أسهل، حيث أن من بينهم؛ مبدعين، ومخترعين، عباقرة، دكاترة، ولكن الأغلب أن مشكلة الدمج بالمجتمع تواجه من ناحية عدم وجود طريقة البرايل في الأماكن العامة وإضافة إلى بطاقات التخفيض في وسائل النقل المختلفة وأيضا توفير الأماكن الخاصة بهم من خلال المواقف المخصصة وأيضا البنية التحتية المناسبة لهم في الأسواق والمجمعات والشوارع والمواقع المختلفة.
وأكد أن لهم حقوقا في مجال التعليم تتعلق بتوفير فصول دراسية مناسبة وأيضا توفير كل سبل الدراسة والتعليم مثل معاهد النور ومعاهد التربية الفكرية إضافة إلى فتح فصول للدمج في التعليم العام وتمكينهم من التعليم مشيرا الى ان وزارة التعليم خصصت إدارة للعوق البصري لتلبية احتياجات ذوي الإعاقة. وطالب بفتح برامج إضافية للابتعاث الخارجي والحاجة ملحة لرفع مستوى الدعم لذوي الإعاقة البصرية وأتمنى أن توفر الجهة المتخصصة بذوي الإعاقة البصرية في وزارة التعليم رقما ساخنا لتلقي استفساراتهم واقتراحاتهم ومطالبهم.
فرص التوظيف
وأضاف الأسمري: أرى إنه من المهم أن يتم فتح فرص توظيف إضافية لأصحاب الإعاقة البصرية في ظل وجود العديد منهم من الجنسين ويحملون الشهادات التعليمية المؤهلة كما انهم يحتاجون إلى الوظيفة من أجل تلبية احتياجاتهم مثل وجود عاملة خاصة أو سائق وأيضا تلبية متطلبات الحياة وأرى أيضا أنه من المهم فتح وظائف لهم في القطاع الخاص بما يناسب إعاقتهم والاستفادة من إبداعاتهم في عدة مجالات مختلفة. ومن المهم أن تكون هنالك مراكز تدريب متخصصة لذوي الإعاقة البصرية تحت مظلة الوزارات المتخصصة لأن مجال الدورات التي يطلبونها لا تزال قليلة جدا في ظل احتياجهم لدورات تخصصية عبر تقنيات خاصة توائم اعاقتهم ليتمكنوا خلالها من التوظيف ومن أهم الدورات دورات الحاسب الالي والأعمال المكتبية وأيضا دورات التنمية البشرية وكذلك التي يحملون شهادات فيها.
إضافة إلى تكثيف البرامج الإعلامية التي ترصد إبداعات ذوي الإعاقة البصرية وتدعو المجتمعات ومؤسساته إلى الاهتمام بهم وتبصرهم باحتياجاتهم وألية التعامل معهم.
نقص الوعي
من جهته أوضح “محمد توفيق بلو” من ذوي الاعاقة البصرية والكاتب والامين السابق لجمعية إبصار الخيرية في جدة أن هناك نقصا في الوعي المجتمعي بمهارات التعامل مع ذوي الإعاقة البصرية، فضلا عن ضعف السلامة البيئية لتمكين المعاق بصريا من الاستقلال الذاتي.
وأضاف بانه من الضروري تنظيم برامج توعية مكثفة للمجتمع وفتح مراكز لإعادة تأهيل ذوي الاعاقة البصرية في المدن وفرض مخالفات على واضعي العوائق في الطرق والمرافق العامة،وتشجيع ذوي الاعاقة البصرية على استخدام العصا البيضاء في الحياة اليومية.
خفض التكلفة
وشددت مدربة برايل في جمعية إبصار الخيرية ” مرام علي أبو عقيل” على تمكين الاشخاص ذوي الإعاقة بعدة مجالات في التعليم والتوظيف ومساواتهم بكل افراد المجتمع فكريا ومهنيا وإنسانيا ، لافتة إلى أنه يتوجب تفعيل وعي المجتمع بأهمية لغة برايل للأشخاص ذوي الإعاقة ، فضلا عن ضرورة خفض التكلفة المادية لطباعة برايل.
مسارات خاصة
وأكدت “هناء باطرفي” أخصائية نفسية ومن ذوي الاعاقة البصرية أنهم كمستخدمين للعصا يعانون من عدم وجود المسارات الخاصة بالمكفوفين وعدم توفر طريقة برايل في المرافق العامة عموما مثل المستشفيات وقوائم الطعام في المطاعم وغيرها كما أننا” نفتقد وجود المصاعد المهيأة لذوي الإعاقة البصرية المزودة بطريقة برايل والمدعومة بجهاز ناطق والذي يمكننا من معرفة الأدوار.
واضافت أن امنيات ذوي الاعاقة كثيرة منها تهيئة المسارات وما يتبع دلك من إمكانية الوصول مثل: تخصيص موظفين لخدمة ذوي الإعاقة البصرية في المستشفيات والمطارات حاصلين على تدريب مسبق في كيفية التنقل مع المعاقين بصرياً، ونطمح بعدها الى إتاحة الفرص لنا للعمل في وظائف تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا فنحن قادرون على العطاء والإنجاز.
خطوة متقدمة
وأوضحت الاعلامية “لولوة العبدالله” أن تفعيل طريقة برايل في الأماكن العامة سوف تكون خطوة متقدمة وفعالة، ولكن لابد أن نعمل بالتوازي مع تمكين التكنولوجيا البديلة، لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة إذا كان مثلًا المحتوى الخاص بالمطاعم والمقاهي متوفرا في مواقعهم الالكترونية أو تطبيقاتهم على سبيل المثال؛ بحيث يتمكن أي شخص كفيف من معرفة الطلبات بسهولة ويساعده على الطلب بمفرده لأن التقدم والتطور التكنولوجي بات يدعم طريقة برايل من خلال ” قارئات الشاشة” واتمنى أن تكون هناك مواقع الكترونية مخصصة ومهيأة لتدعم “قارئات الشاشة” ، هذه الخطوة ستساعد المكفوفين وتوفر الكثير من الجهد والمال بشكل كبير على الجهات التي تضطر للطباعة بطريقة البرايل ، ولا مانع إذا كان المكان يرغب بالوسائل الورقية الخاصة بالطلبات بطريقة برايل وبهذا نوفر الخيارين للأماكن العامة.
وأضافت لولوة من جانب آخر يتوجب تهيئة البيئة عن طريق التوزيع المتناسب للطاولات ويكون الدرج مهيأ بحيث أنه لا يسبب عائقًا في الصعود والنزول وإذا كان هناك مصاعد يجب أن تكون الأرقام أيضا متوفرة بطريقة برايل، لافتة إلى إلى ضرورة إطلاق حِراك تقني كبير لدعم وتأمين تطبيقات لخدمة ذوي الإعاقة البصرية مؤكدة أن مثل هذه التفاصيل الدقيقة مهمة جدًا ولابد من أن يتم تسخير مبالغ مالية كبيرة لأجلها حتى تصبح في المستقبل القريب متواجدة وتخدم الأجيال القادمة مع إيجاد المطورين لهذه البرامج مشيرة إلى أن التحول الرقمي موجود وضروري وسيساعد بشكل كبير في تفعيل طريقة برايل.
وختمت راجية متمنية أن يكون هناك دعم كبير للعقول الشابة في إيجاد وسائل تكنولوجية من اختراعات وابتكارات مواطنينا لعمل تطبيقات خاصة لمساعدة ذوي الإعاقة البصرية.
تهيئة البيئة
من جانبها أوضحت “أسماء علي الكاف” خريجة جامعة الملك عبد العزيز من كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم علم النفس بقولها : يجهل بعض أفراد المجتمع كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة البصرية وأتمنى تهيئة البيئة بما يتناسب مع ظروفهم من خلال الوصول الشامل واستخدام طريقة برايل وإلزام المرافق والهيئات والأماكن العامة بها.
طباعة الكتب
ومن منطلق آخر يقول خالد بن سليمان المشيقح ؛ المدير التنفيذي “لجمعية العوق البصري “الاهلية ببريدة ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوق السمعي ببريدة، أن طريقة برايل هي الآلية التي يستخدمها ذوو الإعاقة البصرية في القراءة والكتابة وتزداد أهميتها واهمية اتقانها نظراً لطباعة الكتب المنهجية في جميع المراحل الدراسية بطريقة برايل ولوجود أجهزة متعددة تساعدهم على استخدامها والتعامل معها مثل الأسطر الالكترونية وغيرها . ومن المشاكل التي تواجههم في الأماكن العامة عدم وجود لوحات إرشادية مكتوبة بطريقة برايل وعدم وجود مسارات أرضية تساعدهم للوصول لأهدافهم في الأماكن العامة والموجود منها ليس بالمستوى المطلوب ولم تراعَ فيه المواصفات والمعايير العالمية. ويستدرك قائلا: ونتمنى أن ياتي اليوم الذي يستطيع فيه ذوو الاعاقة البصرية الخروج من المنزل والعودة إليه دون الحاجة للمساعدة او المرافق.
مسار آمن