سألت نفسي وأنا غارق في أحزاني بفراقك يا أعز الناس وأنبل الناس يا حبيبي عبدالقادر رشاد جستنية .. سألت نفسي : ماذا أقدم لك وأنت بين يدي المولي عز وجل ؟ وهل يملك الإنسان أي شيء يقدمه ونحن أمام قضاء الله وقدره المحتوم ؟..
يا صديقي .. اقول (إنا لله وإنا اليه راجعون) .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. إنها لحظة جلال الموت حيث تشرئب فيها الاعناق وينعقد بها اللسان .. وتختنق الكلمات .. إلا من الدعاء لله بأن يرحمك المولي عز وجل ويدخلك الفردوس الأعلى وأن يلهم أبناءك وزوجك وعائلتك وإخوتك وأصدقائك ومحبيك الصبر والسلوان.
كانت تجمعنا ثلوثية أسبوعية منذ 45 عاما والي اليوم .. وقبلها كنا نلتقي في منزلي في باب مكة بصفة يومية أنا وهو واخونا المرحوم فريد عبدالباقي رحمة الله عليه وتوأم روحي الحبيب عبدالقادر برهان .. وايضا كان يشارك بعض ايامنا أخوه محمد رشاد جستنية رحمة الله عليه .. فنحن رفاق درب لاكثر من نصف قرن .. كانت حفلات ام كلثوم هي درة الليالي والسهرات نستمع اليها ونسجلها .. وفي اليوم التالي يغنيها بصوته الجميل الرخيم اخونا ابا رشاد .. كانت له ملكة متميزة في الحفظ والاداء.
اتذكر في تلك الايام كيف بدأنا حياتنا .. كفاحا وطموحا وأملا وأماني كبار .. ومن أجل ذلك قاسينا كثيرا .. إلتقيت بأبي رشاد في معهد التدريب التجاري في الخطوط السعودية . وكان هو مدربا يسافر برا شمالا وجنوبا وفي كل الاتجاهات لزيارة مكاتب السعودية ووكلائها العامين هناك من اجل تدريب موظفيهم في شتى حقول وعلوم خدمات الطيران ..
وكانت الرحلات الجوية شحيحة بل ونادرة .. ولكنه تغلب على كل تلك الصعاب بالسفر برا .. فركب سيارات النقل والتريلات والوايتات وسيارات الغمارة بل وركب الدواب والحمير والبغال وانتقل من قرية الى اخرى في الصحاري القاحلة والوديان .. واضطر للنوم على كراسي الشريط في المقاهي في تلك الطرق .. بل وفي احيان كثيرة كان يلتحف بشرشف كي يحمي نفسه من قرصات العقارب والحشرات في رمال تلك الاماكن القاحلة في انتظار سيارة او عربة تأخذه الى أقرب مكان وهكذا .. لقد كانت ملحمة كفاح وطموح وآمال وأماني وتضحيات بإصرار وعزيمة الشباب والصدق والإخلاص في العمل.
وبعد كفاح مرير .. امتلك الدنيا بين يديه .. جاب وعاش في أعتى مدن الدنيا تقدما بالطول والعرض .. فلا أذكر محطة أو فرعا للسعودية في الداخل والخارج إلا وسيرته في مرمى السمع والبصر والفؤاد مديرا يشار إليه بالبنان لكل مركز أو منصب تبوأ فيه .. إنه الصدق والإخلاص والتفاني والعمل الطموح.
في آخر ثلوثية لنا كانت في استضافته بإصرار شديد منه .. وبالرغم من معاناته المرضية التي قيدت حركته فأوكل المهمة الى اخينا النبيل الشهم الكبتن صبري. لقد كانت ثلوثية متميزة بحفاوته وكرمه وابتسامته المشرقة وهو يبثها لكل واحد منا وكأنه كان يعلم انه اللقاء الاخير معه.
ولكن لا اقول وداعا لك لأنك جزء من نفسي وشقيق روحي ورفيق دربي .. بل إن حياتي انشطرت بيننا الي نصفين.
يا صديقي اخص هنا بالتعزية والدعاء لرفيقة دربك السيدة الفاضلة سميرة ابو الشامات التي واصلت رحلة الحياة معك في السراء والضراء بحب وقناعة وتفانٍ .. بل كانت ولا زالت الأم الرؤوم لأبنائها وبناتها ووالديك رحمة الله عليهما وأن يلهمهم جميعا الصبر والسلوان.
يا صديقي .. نحن نأتي الى هذه الحياة ونعيش فيها ونذهب منها دون ادراكنا للوقت والآجال فعلمها عند الله .. رحمة الله عليك.