افتقدنا الأخ العزيز و الصديق محمد سعيد فارسي الذي قاد مسيرة التنمية في مدينتنا الجميلة جدة في أولى انطلاقتها في التنمية و الاتساع، ولَكَم شهدته يخط بقلميه من نوع “البنسل” ميادينها و شوارعها العملاقة طولاً ابتداءً من شارع فلسطين و حتى أبحر و من طريق الكورنيش إلى ما بعد الخط الدائري شرقاً و كله حماسة و انفعالاٌ بدعم من رائد التعليم الأول الملك فهد رحمه الله أول وزير للتعليم
و لما رأيت حينها نقصاً في عدد الأراضي المتوفرة للتعليم في مقابل كثرة المباني المستأجرة أسرعت إليه في مكتبه فلم أجده و قيل لي انه لا يبرح داره لكثرة مراجعيه فيه.. و ذهبت إلى داره و رأيت الناس أفواجاً فلم استطع الخلوص له مباشرة بل أخذت دوري مع الناس حتى جلست جواره رحمه الله فرحب بي و قال بأي خدمة أستطيع أن أخدمك بها “يا دكتور” فشرحت له بُغيتي و رغبتي في الحد من عدد المدارس المستأجرة فقال لي: أنت لم تأت لأمر شخصي؟
فقلت: و متى لمثلي أن يأتي في أمر شخصي فقال إذاً انأ أتي إليك في مكتبك غداً إن شاء الله و كانت لدي في المكتب “طاولة” طويلة بثلاثين كرسياً فما حلت الساعة التاسعة صباحاً من يوم غد إلا و هو يدخل مع جميع أركان إدارته من المهندسين و رؤساء البلديات الفرعية و من جانب التعليم الزملاء في المكتب الهندسي و مدير عام الأراضي الأستاذ سليمان الفواز و مدير عام الإدارة الأستاذ عبدالحميد الغامدي و مدير عام التوجيه التربوي الأستاذ راضي الجهني و مدير عام المتابعة الإدارية الأستاذ سعد الحارثي و بعد الترحيب به و بهم إذا به ينشر على “الطاولة” خريطة مدينة جدة و يطلب منا تعيين مواقع التعليم في مخططات المدينة المعتمدة و كانت النتيجة عشرات الأراضي و عشرات المشاريع التي تشهد ما دامت شامخة يطلب فيها التعليم و يلقى فيها العلم شاهدة لجهوده و دعمه للتعليم رحمه الله.
نرفق كل ذلك دعاء أسرة التعليم بكاملها في أن يتقبله الله في عداد الصالحين المصلحين و لأسرته الكريمة في مكة المكرمة و جدة. و المقام لا يتسع لسرد جميع جهودنا المشتركة في خدمة مدينتنا الجميلة جدة إذ تم غرس ملايين الأشجار ولا أقول مئات الألوف منها بجهود أسرة الأمانة و أسرة التعليم خاصة التلاميذ و معلميهم و هذا يدعوني إلى الاستطراد قليلاً إلى الزميل الدكتور حسن حجره نائب أمين مدينة جدة و رئيس بلدية الطائف لاحقاً الذي كانت لنا معه جهود كبيرة في زرع و تحسين مدينة الطائف و هو الذي أشار رحمة الله بإنزال مشروع الإدارة العامة للتعليم بالطائف منتصباً على حدائق وادي وج الجميلة كما لا أنسى أيضا عناية الأستاذ صالح جمال رئيس المجلس البلدي بمكة المكرمة الذي استوقفني مرة و نحن في الديوان الملكي بجدة معاتباً على إنزال مشروع الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة في حي العزيزية بدلاً عن مكانها التقليدي في حي الزاهر الأغر فقلت له وقتها إن الأراضي المتوفرة لنا في الزاهر لا تتسع لحجم المشروع المراد و قد تحدثت في ذلك إلى الصديق عبدالقادر كوشك أمين مدينة مكة المكرمة رحمه الله و زميلنا في عضوية مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي برئاسة الأستاذ إبراهيم فوده رحمه الله الذي اعتذر عن طلبي له في إن يضم شارعاً فرعياً بجوار أرض الزاهر ليمكن إنزال المشروع عليه فرفض بكل أدب مما اضطرني إلى نقل المشروع إلى حي العزيزية في مكان متسع جداً يمتلكه التعليم بجوار المدرسة العزيزية الثانوية.
فلما استجلى الأستاذ صالح جمال الأمر بهذا الشكل انطلق معاتباً للمهندس الكوشك رحمه الله و رافعاً عني ما كان يظن فيَّ من العتب و في المجلس البلدي عند الأستاذ صالح جمال بمكة المكرمة تم عقد اجتماع الهيئة التأسيسية لنادي مكة المكرمة الثقافي الأدبي الذي تشرفت فيه بنيابة الرئيس إبراهيم فوده رحمه الله لقرابة عقدين من الزمان والذي حظي محضر الاجتماع فيه بموافقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد – رحمه الله – الرئيس العام لرعاية الشباب في وقته ثم بتأييد شخصي من الملك فهد رحمه الله الذي أكد انطلاقة مسيرة الأندية الثقافية الأدبية في كل مناطق المملكة العربية السعودية ، وهي ذكريات جميلة أسجلها هنا على عجالة بمناسبة فقدنا لزميل و صديق التعليم العزيز محمد سعيد فارسي مهندس انطلاقة النماء لمدينة جدة في بدايات أمرها رحمه الله رحمة واسعة و تقبله في المصلحين و من تطرقتُ إلى ذكر اسمه في هذه المقالة المختصرة و الله المستعان.