التزمت بارتداء القناع على الوجه ووقفت حيث التباعد المطلوب في المكان ، وألقيت عليها واجب السلام ، لكنها لم تكن كعادتها في رد التحية بأحسن منها ، سألتها عن حالها فتنهدت بعمق وردت باقتضاب : من الله بخير ، سألتها عن الأسرة والأولاد فجاوبتني بنزق وعصبية : “
في هذه الأثناء أدركت أن هذه السيدة التي كانت لطيفة المعشر ، تحب الضحك وتهوى الكلام ، أصبحت مع مباغتة كورونا حياتنا ، حادة الطباع ، متقلبة المزاج تخشى خطر الفيروس وتهلوس في ملك الموت ، وصار من اللائق أخلاقياً والواجب إنسانياً أن نقف إلى جانبها حتى تعود إلى تألقها السابق واستقرارها المعهود.
ما أجمل أن يمتلك الواحد فينا مهارة التواصل مع الآخرين ويتفاعل مع متطلباتهم المعيشية وينصت إلى مشاكلهم اليومية ويستمع إلى أمانيهم المستقبلية ، ثم يقدم لهم النصح والارشاد بكل اخلاص ، فالشخص القادر على احتواء الآخر هو انسان تفيض مشاعره دفءً ويقطر لسانه عسلاً ، يتسلل إلى مهجة القلوب ويعتلي عرش العقول ، يرمم نفسية المرضى المتأزمين ، ويزيل الهمّ عن المهمومين .
فما أحوج الطفل إلى أبوين يستند إليهما لتستقيم تربيته ، وما أحوج المريض إلى عيادته كي يتماثل إلى الشفاء ، وما أحوج المدمن على المخدرات إلى من يتفهم ارادته المسلوبة فيأخذ بيده حتى يتعافى . وما أحوج الزوجة إلى رجل شهم يوفر لها الأمان الأسري لكي تبدع في إسعاده ، وما أحوج الزوج إلى امرأة تتفوق بذكائها العاطفي على نساء العالم لكي لا يرضى عنها بديلاً .
في هذه الأيام الصعبة ونحن نشهد ملامح القلق عند بعض الناس نتيجة خوفهم من وباء كورونا ، وما تبعه من تقييد لحركة التنقل ، يفترض بنا أن نتوقف عن ضخ الإشاعات والأكاذيب التي تربك الانسان وتعيق تقدم المجتمع ، وأن نحتوي بعضنا بعضاً ونساعد بعضنا بعضاً ، كلُّ بما وهبه الله من رزق وأنعام ، وما استطاع إليه سبيلا حتى لو بكلمة طيبة ، أو سطر من رواية ، ولنتذكر على الدوام قول الله تعالى : ” وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ” . صدق الله العظيم.
والله الهادي الي سواء السبيل.