تركيا تعيش حالياً أسوأ علاقاتها الدولية. تمثل ذلك في إلغاء الولايات المتّحدة الاتفاقات المعقودة مع تركيا لتزويدها بطائرات F35 على خلفيّة إصرارها على إتمام صفقة صواريخ S400 مع روسيا ووقف برنامج استخباري هام بينهما بسبب توّغلها في سوريا، تفاقم ردود الفعل الروسية على تصريحات الرئيس أردوغان في كييف التي وصلها في الثالث من الشهر الجاري للمشاركة في النسخة الثامنة لاجتماع المجلس الاستراتيجي بين البلدين، حيث شدّد على دعم أوكرانيا ووحدة تُرابها بِما في ذلك استِعادة سِيادتها على القرم التي ضمّتها روسيا، الممتعضة مؤخرا من الدور التركي في سوريا.
مغامرات أردوغان غير المحسوبة تعبّر عن تخبط كبير في السياسة الخارجية وفقدان للبوصلة في تقدير المصالح التركية العليا، لأنّ ما بين موسكو وواشنطن من تقاطع للمصالح يفوق بالتأكيد ما يعتقد أردوغان أنه سيجنيه من اللعب على استمالة الأميركيين أو استفزاز الروس، بل ربما يدفع ثمن قراءاته الخاطئة، وهو قد اختبر ذلك قبلاً مع الولايات المتّحدة ومع روسيا على السواء. هذا بالإضافة للتوترات والردود التي أثارتها تركيا من قِبل الاتّحاد الأوروبي والعالم العربي ردأ على ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا والاعتداء الصريح على حقوق قبرص في المياه الاقتصادية والتعرّض لاتّفاقاتها النفطية مع مصر.
وقد بلغ التوتر ذروته مع التدخل العسكري في ليبيا وإرسال أكثر من 4000 مقاتل من سوريا ينتمي عدد منهم لتنظيم القاعدة أو هم موالون لداعش، مما أثار القلق لدى أكثر من جهة بأنّ تركيا تسعى الى أفغنة ليبيا أو إنتاج صيغة داعشية جديدة هناك. التجاوزات التركية التي تطرح مسألة أمن المغرب العربي برمّته كانت المحفّز الأول للتقارب الليبي الجزائري المتمثّل بدعوة قائد الجيش الليبي الوطني اللواء خليفة حفتر لزيارة الجزائر على خلفيّة تعاون استخباراتي بين الدولتين أكّد على فرار إرهابيين من الحدود الجزائرية الى ليبيا.
يدرك أردوغان أنه لم يتبقَ شيء اسمه مسار أستانا، وربما لم تعدّ الفرص متاحة لإحياء شيء ما مجدداً والنظر فيما يمكن أن يفعله. المجريات الميدانية في شمال سوريا لا تعبّر فقط عن حوارٍ ساخن بين روسيا وتركيا، بل توحي أنّ تركيا وقعت نتيجة طموحاتها في مصيّدة تشابك المصالح الأميركية – الروسية، وما دخول مجلس الأمن الدولي إلا دليل على وضع تركيا أكثر فأكثر تحت المجهر الدولي.
فهل ستدفع إدلب ومعها المعارضة السورية المسلّحة ضريبة التقارب بين روسيا وتركيا على خلفيّة التصريحات المستفزة وغير المسؤولة للرئيس أردوغان خلال زيارته لكييف وانتقاده ضمّ روسيا لجزيرة القرم ليتكرر نموذج حلب مرة أخرى؟.
وهل ستشكّل المعطيات الميدانية تعديلاً لميزان القوى القائم في سوريا يدفع بمسار العملية السياسية في جنيف باتجاهات غير محسوبة مستفيداً من الظروف الدولية والعلاقات الإقليمية السيئة التي تمرّ بها تركيا ؟
أسئلة عديدة جديرة أن تُطرح على مشارف إدلب التي تشهد آخر فصول الحرب الداميّة في سوريا قبل الانتقال الى المسار التفاوضي الشاق.
• مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات