الرعاية الصحية المنزلية هي صورة من صور الرعاية الصحية والتي أصبح في تطبيقها دلالات على تطور الرعاية الصحية بما يتناسب ويتماشى مع احتياجات ومتطلبات الخدمات الصحية. ظهر هذا المفهوم (الرعاية الصحية المنزلية) لكي يتفاعل ويساهم في زيادة فاعلية الرعاية الصحية للجهات التي تقدم الخدمات الصحية وتساهم ايضا بإيجابية في تقديم الرعاية لمن يحتاجها.
ولكي أقرِّب للقارئ الكريم المفهوم التطبيقي للرعاية الصحية المنزلية، سوف اطرح بعض الأمثلة التطبيقية. مثلا، مريض تمت له اجراء عملية جراحية، وبعد خروجه من المستشفى وهو يقضي فترة الراحة في منزله، لاحظ ان هناك نزيفا سائلا من موقع العملية الجراحية، فيقوم المريض بالاتصال بالمركز الجراحي (المنشأة الصحية) والتي قامت بإجراء العملية لإبلاغها عن النزيف، فيقوم المركز الجراحي بإرسال فريق طبي للقيام بالإجراءات اللازمة مع المريض وهو في منزلة ودون الحاجة الى توجهه الى الطوارئ. أيضا، في حالات الحمل او ما بعد الولادة (الرضاعة)، ودون الحاجة لذهاب المرأة الحامل الى المركز الصحي الاولي لمتابعة الحمل او في حالات ما بعد الولادة (الرضاعة)، حيث يقوم المركز الصحي بإرسال ممرضة للقيام بالقياسات الضرورية (سحب الدم وكتابة العلامات الحيوية) الى جانب التثقيف الصحي للحامل (او المرضع) والتوجيهات الصحية الضرورية، وفي حالة وجود ضرورة لمراجعة العيادات الطبية، تقوم الممرضة بالتواصل مع المنشأة الصحية وذلك للترتيبات الطبية الضرورية.
وهناك صور عديدة للرعاية الصحية المنزلية، مثلا، المصابين بالأمراض المعدية (نقص المناعة المكتسبة والالتهاب الكبدي او الجدري وغيرها) وخاصة إذا كان المريض في مرحلة يمكن للمركز العلاجي (المنشأة الصحية) بمتابعة الحالة المرضية عن بعد. وهناك حالات الإصابة بالكسور، ودون الحاجة الى تنويم المريض المصاب بالكسور بالمنشأة الصحية لمدة زمنية طويلة (قد تعرضه لعدوى المستشفيات)، حيث يمكن فيها إرسال فريق طبي لمتابعة الحالة بالمنزل. إذن مما سبق نرى مدى أهمية التطبيقات المختلفة للرعاية الصحية المنزلية في المساهمة في الحد من الضغط المتزايد من المراجعين للعيادات الطبية بمختلف احجام المنشآت الصحية، الى جانب تخفيف العبء على المرضى من القيام بزيارة المنشأة الصحية وذلك لهدف المراجعة الطبية والمتابعة، وهم في حالة قد لا تستدعي القيام بمثل ذلك المجهود. ومما سبق، يمكن القول ان في تطبيقات الرعاية الصحية المنزلية فائدة كبيرة، وهي مطلب هام جدا.
ولكن، هناك أسئلة تطرح نفسها في مثل تلك التطبيقات والتي رأينا مدى الإيجابية في حالة تطبيقها، منها: هل يمكن تطبيقها في كل الحالات المرضية سواء كانت حالات مرضية معدية او غير معدية؟ ايضا، كم هي مؤشرات النجاح التي يمكن الوصول اليها في حالة التطبيق مع الحالات المرضية المعدية؟ وفي حالة التطبيق، هل يعني ذلك انه لا حاجة للمنشآت الصحية التخصصية والتي تعالج الحالات المرضية المعدية والمتقدمة (وخاصة في المتابعة القريبة والتنويم)؟ تلك الأسئلة، طرحت نفسها وبقوة وخاصة في الحالات المرضية المعدية والتي يحتاج علاجها الى فترة زمنية طويلة مثل الدرن! وبالعودة الى مقالي السابق والذي كان بعنوان (العناية المنزلية لمرضى الدرن هل هي كافية؟)، حيث ناقشت فيها احتمالية تطور المرض واحتياج المريض الى فريق طبي متخصص (ذو خبرة مهنية كبيرة) في مثل تلك الحالات المتقدمة (حالات مقاومة المرض للمضادات الحيوية)! واحتياج المريض للإقامة الطويلة والمتابعة القريبة (والتي قد تصل الى ثلاثة أشهر متتالية)!
باختصار، من معايير سلامة المرضى والعاملين الصحيين، لا يمكن إقامة مريض الدرن المقاوم للمضادات الحيوية بمستشفى عام (مع حالات مرضية اخرى) وان كانت اقامته في غرفة عزل منفردة (وخاصة في حالات شح المنشآت الصحية لغرف العزل)!؟ وكما ذكرت سابقا، انني سمعت (نعم سمعت) من بعض الممارسين الصحيين ان التطبيق العلاجي والتوجه الحديث لعلاج مرض الدرن هو في (الرعاية الصحية المنزلية) فقط وعدم الحاجة الى مستشفيات تخصصية للدرن!! نعم، هو مجرد نقاش.
استشاري العدوى والمناعة
مستشفى مدينة الحجاج بالمدينة المنورة
ايميل: drimat2006@hotmail.com