البلاد – رضا سلامة
أعاد تقرير مفوضة حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، دونجا ميجاتوفيتش، المقدم مؤخرًا لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية، حول مواقع الإنترنت المحظورة في تركيا، تسليط الأضواء مجددًا على الأوضاع الكارثية لحرية الرأي والتعبير ومصير الصحافيين والمدونين والنشطاء المعارضين للنظام التركي، أو الذين يزاولون الكتابة بمهنية وموضوعية يعتبرها أردوغان جريمة لا تغتفر، تقتضي غلق المنابر الإعلامية والزج بالكُتاب في غياهب السجون؛ بحيث أصبحت تركيا في عهد السلطان العثماني الجديد أسوأ بقعة وأكبر سجن على كوكب الأرض للصحافيين والمدونين والنشطاء.
ميجاتوفيتش أكدت في تقريرها توسع تركيا في حظر وسائل الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونية بشكل لا يمكن قبوله في المجتمعات الديمقراطية، مدللة على ذلك بحظر”حتى”موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا، وموضحة أن أغلب الوسائل الإعلامية والمواقع والمدونات المحظورة تقدم خدمة إخبارية أو وجهات نظر ، لكن تركيا تعتبرها معارضة لسياساتها ، مؤكدة أن هذه الإجراءات تنتهك حقوق ملايين الأتراك، سواء من الإعلاميين والصحافيين والمدونين أو المشاهدين والقراء.
• أرقام كارثية
في أعقاب الانقلاب المزعوم على أردوغان منتصف يوليو 2016، والذي اتهم فتح الله كولن بالوقوف ورائه دون تقديم دليل على ذلك، مارس الرئيس التركي أبشع مجزرة بحق حرية التعبير والرأي ووسائل الإعلام والصحافيين والمدونيين، حيث أغلق 189 وسيلة إعلامية مختلفة، منها 5 وكالات أنباء، 62 جريدة، 19 مجلة، 14 راديو، 29 قناة تلفزيونية، 29 دارًا للنشر، هذا فضلًا عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والمستقلة، بخلاف حجب 127.000 موقع إلكتروني، و94.000 مدونة، وتم إلغاء 25 قرار فقط من قرارات الإغلاق.
وتضم سجون تركيا 124 صحافيًا يمثلون أكثر من نصف عدد الصحافيين المعتقلين حول العالم، وقد صنفها الاتحاد الدولي للصحفيين(IFJ) بأنها أكبر سجن للصحافيين في العالم، كما جاءت طبقًا لمؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود(RSF) في الترتيب 157 من بين 180 دولة، بينما تشير تقارير حديثة أنه منذ الانقلاب الزائف وحتى منتصف عام 2019، يقبع في السجون التركية 319 صحافيًا معتقلًا، كما صدرت مذكرات اعتقال بحق 142 آخرين مشردين في خارج البلاد، وخلال عام 2017 حُوكِم قضائيًّا 839 صحافيًا على خلفية تقارير صحفية أصدروها أو شاركوا في إعدادها، بينما بلغ عدد الصحافيين المحبوسين خلال عام ٢٠١٨ فقط ٦٨ صحافيًا.
ووثقت تقارير حقوقية تعرض المعتقلين من الصحافيين في السجون لأنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي، حيث شكا العديد منهم من الضرب والتعذيب، كما شكت صحافيات من التحرش الجنسي.
كما أن حسابات مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا تخضع أيضا لمراقبة السلطات، وجرى اعتقال الآلاف، بعد الانقلاب المزعوم عام 2016، بسبب مشاركاتهم السياسية على حساباتهم، وصدرت بحق العديد منهم أحكام بالحبس.
• واقعة لا تصدق
وأكد الصحافيون الأتراك المنفيون خلال معرض الكتاب بألمانيا العام الجاري، أن أردوغان يحظر مئات الآلاف من الكتب ويتهم كل من لديه هذه الكتب بالإرهاب، فاضطر الناس إلى إلقاء الكتب في القمامة، وأشاروا إلى واقعة لا تصدق، حيث اعتقلت مدرسة التاريخ “أرزو آكجا قايا” بسبب وجود بصمة يدها على كتاب ملقى في القمامة، واعتقلت معها طفلتها ذات العشرة أشهر واتهمت بالإرهاب. وهناك آلاف الأشخاص المعتقلين بتهمة “الإرهاب” مثلها.
ومنذ أُنشئت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، نظرت 66251 دعوى لانتهاكات حقوق الإنسان، وتحتل تركيا المرتبة الأولى في عدد الدعاوى المنظورة لدولة واحدة بنسبة 16% من جميع الدعاوى ضد الدول الأعضاء، وهذه النسبة تُمثل 10638 دعوى ضد تركيا، وجدت فيها المحكمة الأوروبية انتهاكًا من قِبل الدولة في 7255 قضية بنسبة 68%، وتسببت صعوبات في الإثبات في انخفاض أحكام الإدانة.
أما فيما يخص ادعاءات حق حرية الرأي والتعبير، فتحتل تركيا المرتبة الأولى أيضًا فى المحكمة الأوروبية بواقع 1300 دعوى، وجدت فيها المحكمة انتهاكًا للمادة 10 (الخاصة بحرية الرأي والتعبير) فى 1072 دعوى منها، بنسبة 82%.
يذكر أن الانتهاكات الواسعة والممنهجة لحقوق الإنسان في”تركيا أردوغان”، وخاصة التجاوزات الخطيرة في ملف حرية التعبير والصحافة والصحافيين، كانت من الأسباب الرئيسية لرفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي حتى الآن.