بغداد ــ وكالات
بين الحين والآخر تخرج أصوات من العراق ترفض التدخل الإيرانى فتربك صانع القرار فى طهران، فيسعى بكل السبل للإمعان فى التغلغل، سيما وأن العراق أصبحت اليوم الرئة الوحيدة التى تتنفس منها طهران بعد العقوبات الأمريكية الخانقة، ولهذا السبب اتخذت طهران على عاتقها ازالة كل من يقف فى طريقها لبلوغ أهدافها، وتؤكد شواهد عديدة تحركات إيرانية مشبوهة فى العراق الأشهر الأخيرة.
ومن ذلك ما كشفته مصادر عراقية مطلعة عن أن إيران تسعى إلى السيطرة على الملفين العسكري والأمني في العراق، من خلال إجبار الأطراف السياسية في البلاد على التصويت لمرشحيها قبل أن تبدأ واشنطن تنفيذ سياستها للقضاء على نفوذ طهران في العراق.
ولم تتمكن الأطراف السياسية العراقية خلال الأشهر الماضية التي تلت المصادقة على الحكومة العراقية الجديدة من التوصل إلى اتفاق لملء وزارتي الداخلية والدفاع إثر التدخلات الإيرانية في اختيار المرشحين لهاتين الوزارتين.
ورغم تأزم الوضع السياسي في العراق يتمسك تحالف الفتح (مكون من مليشيات الحشد الشعبي الإيرانية) المنضوي في كتلة البناء النيابية، بترشيح فالح الفياض رئيس هيئة مليشيات الحشد لمنصب وزير الداخلية، وهو الشخص الذي يدعمه الإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الذي يتمسك بفالح الفياض في مقابل رفض زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هذا الأمر جملة وتفصيلا.
وبينما يدور خلاف حول منصب وزير الداخلية، ما زالت الكتل السنية مختلفة على ترشيح شخصية لمنصب وزير الدفاع، وسط محاولات حكومية لتأجيل التصويت على الوزارتين إلى الفصل التشريعي القادم لمجلس النواب العراقي الذي سيبدأ في مارس المقبل.
وشدد النائب عن ائتلاف سائرون الذي يتزعمه الصدر، قصي محسن على رفضهم تأجيل التصويت على استكمال وزارتي الداخلية والدفاع إلى الفصل التشريعي المقبل.
وقال محسن في تصريحات صحفية إن الائتلاف يسعى إلى عدم تأجيل التصويت واستكماله خلال هذا الفصل التشريعي، رغم وجود توجه من الحكومة لتأخيره بحجة التزامها بالمنهاج الوزاري خلال فترة 6 أشهر أو سنة لتنفيذ بعض المشاريع.
واستبعد محسن وجود أي إجماع سياسي داخل مجلس النواب حول تأجيل التصويت إلى الفصل القادم، مؤكدا: “نحن في سائرون مصرون على أن تتولى شخصيات مستقلة الوزارات الأمنية، وسنصوت لها متى ما طرحت، ونتمنى أن تكون في أقرب وقت”.
ولم يتوصل تحالف الإصلاح والإعمار (يتكون من ائتلاف سائرون والحكمة والنصر والوطنية وكتل صغيرة أخرى) إلى اتفاق مع تحالف البناء المقرب من إيران (يتألف من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وكتلة الفتح الجناح السياسي لمليشيات الحشد الشعبي وعدد من الكتل الأخرى) لتغيير مرشحها لوزارة الداخلية، فطهران ما زالت ترفض ترشيح شخصية أخرى لهذا المنصب غير الفياض. وزادت طهران من توغلها في العراق بحجة محاربة “داعش” الإرهابي إبان سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من البلاد، حيث أقدمت مليشيات الحرس الثوري الإيراني وعبر جناحها الخارجي الذي يقوده قاسم سليماني على تشكيل مليشيات الحشد الشعبي كقوة موازية للجيش العراقي.
ولم تتوقف عند هذا الحد بل تواصل العمل على سيطرة هذه المليشيات على كافة مقاليد السلطة في العراق واتخاذه قاعدة عسكرية لتنفيذ المشروع الإيراني في الشرق الأوسط.
وكانت وسائل اعلام عراقية قد اشارت في وقتاً سابق الى أن تحالف البناء لم يتوصل إلى نتيجة بشأن ترشيح شخصيات أخرى من بينها قاسم الأعرجي وزير الداخلية السابق، وشيروان الوائلي المستشار الحالي لرئيس الجمهورية، وحسين الطحان محافظ بغداد الأسبق للمنصب، بسبب تمسك تحالف الفتح بزعامة هادي العامري بمرشحه فالح الفياض للمنصب”.
وأشارت المصادر إلى أن اللواء الركن المتقاعد هشام الدراجي، ورئيس مجلس النواب العراقي السابق سليم الجبوري القيادي في تنظيم الإخوان الإرهابي، هما أبرز المرشحين لنيل وزارة الدفاع، مؤكدة أن الاثنين يحظيان بدعم من النظام القطري وحليفه الإيراني لكن ائتلاف الوطنية متمسك بأن يكون الوزير منه.
وفى سياق متصل وصف الخبير السياسي والاستراتيجي العراقي علاء النشوع، ما تمر به الحكومة من مشاكل إثر التدخلات الإيرانية بالمأزق الكبير والخطير جدا.
ولفت النشوع الى أن هناك ضغطا إيرانيا مباشرا على الساسة العراقيين في بغداد فيما يتعلق بعملية تشكيل الحكومة، وقد منعت خلال الأشهر الماضية ترشيح شخصيات عدة لمنصب وزير الداخلية.
لكن هذا التأثير الإيراني لن يدوم طويلا “بحسب النشوع” لأن النظام الإيراني سيبعد قريبا عن الساحة العراقية وعن الحكومة”، لافتا إلى أن واشنطن ستفرض وبقوة إرادتها على الساحتين السياسية والعسكرية في العراق، خصوصا أن هناك وجودا أمريكيا في غرب البلاد وشمالها وفي بغداد، مشددا: “سيكون للوجود الأمريكي تأثير مباشر على الملف السياسي والأمني في العراق قريبا جدا”.
لكن وسط هذه الأوضاع الحساسة والضغوطات يسعى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى البقاء في إدارة وزارتي الداخلية والدفاع لوقت أطول.
فرضوخه للضغوطات الإيرانية بتعيين الفياض وزيرا للداخلية سيجعله في مواجهة مع الصدر الذي لا يستبعد المراقبون لجوء كتلته لإقالة الحكومة.
والعكس أيضا فانضمامه لموقف الصدر وتغييره للفياض سيجعله في مواجهة مع النفوذ الإيراني، خصوصا أن اختيار عبدالمهدي جاء بالتوافق بين تحالفي الإصلاح والبناء.
ولأجل ذلك قال الخبير السياسي العراقي عماد الخزاعي أن “رئيس الوزراء بات في موقف لا يحسد عليه فهو في أزمة حقيقية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران”، متسائلا: “هل سيستطيع عادل عبدالمهدي أن يمسك العصا من الوسط؟”.
وأضاف الخزاعي: “قد يكون عبدالمهدي ناجحا حتى الآن في مسك العصا لكن هناك تحالفات دولية ومتغيرات إقليمية، فالمعركة بين إسرائيل وإيران ينتظر أن تبدأ داخل سوريا أو العراق، وربما تكون هناك حرب إقليمية جديدة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، كل هذه الصراعات السياسية والمتغيرات السريعة والخطيرة ستكون مؤثرة في المشهد العراقي”.
ورأى الخزاعي أن حسم الملفات السياسية في العراق، ومن بينها وزارة الداخلية والدفاع، يتوقف على القرار السياسي الأمريكي، فمتى ما أرادت الولايات المتحدة القضاء على الوجود الإيراني، وبدأت تنفيذ سياسة تقليم الأظافر فعليا، حينها ستُحسم هاتان الوزارتان.