في أحد مؤتمرات الخطوط السعودية التي كانت تُعقد في مدينة الطائف، كان زميلنا التنفيذي الراقي، سري إسلام يُلقي كلمته، وخلالها تساءل فجأة : هذا.. ماذا؟ استغربنا السؤال في لحظته، ثم سرعان ما أدركنا أنه يقصد عبارة What is this? فالأستاذ سري المعروف بإتقانه الشديد للغة الإنجليزية، كان يكتب كلمته أولاً بالإنجليزية ثم يترجمها إلى العربية، فجاء هذا التساؤل الطريف بصيغته العربية المباشرة، فضحكنا كثيراً وبقي الموقف عالقاً في الذاكرة، واليوم أجدني أكتب مقالي هذا باللغة العربية التي أزعم أنني أجيدها إلى حد ما مستحضراً ذلك التساؤل ذاته، ولكن بمعنى أعمق وأخطر: هذا.. ماذا.. لو؟ ما الذي سيحدث لو أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بكل وسائطها من روبوتات ودرونز وسيارات ذاتية القيادة وأنظمة ذكية وقعت في أيدي اللصوص والمجرمين ؟ ماذا لو استُخدمت هذه الأدوات المتقدمة لتنفيذ سرقات معقدة، أو عمليات قتل عن بُعد، أو خطف طائرات، أو حتى تعطيل مدن كاملة بضغطة زر ؟ نحن لا نتحدث عن خيال علمي بعيد؛ بل عن احتمالات تزداد واقعية كلما توسعت هذه التقنيات وتسارعت وتيرة انتشارها، وماذا لو تم توجيه هذه التكنولوجيا، أو إعادة برمجتها في الروبوتات البشرية التي تعمل في المستشفيات؟ تخيّل أن تُساء معاملة المرضى، أو تُعطى جرعات دوائية غير موصوفة، أو تُصدر تقارير طبية مزيفة من المعامل والمختبرات، دون أن ينتبه أحد في البداية لأن “الآلة لا تخطئ” في نظر الكثيرين. وماذا لو امتد العبث إلى التعليم عبر التدخل في المناهج الدراسية والدروس الإلكترونية، وبث أفكار هدامة، أو مشوهة للعقول تحت غطاء المحتوى الرقمي الذكي؟ هذا.. ماذا.. لو حدث كل ذلك فعلاً ؟ كيف سيتصرف البشر ؟ وهل نحن مستعدون فعلياً لمثل هذه السيناريوهات ؟ الأسئلة هنا لا تتعلق بالتقنية ذاتها بقدر ما تتعلق بالحوكمة، وبالقوانين والأنظمة، وبخطط الطوارئ، وبأمن سيبراني قادر على الاستباق، لا مجرد رد الفعل. الذكاء الاصطناعي أداة؛ شأنه شأن أي اختراع بشري يمكن أن يكون نعمة، أو نقمة بحسب من يمسك بزمامها. المطلوب اليوم ليس التخويف ولا التهويل؛ بل الوعي. وعي تشريعي يواكب التطور، ووعي مؤسسي يضع أسوأ الاحتمالات قبل أفضلها، ووعي مجتمعي يدرك أن الثقة العمياء في التقنية قد تكون أخطر من رفضها؛ فالسؤال لم يعد ترفاً لغوياً نضحك عليه كما ضحكنا في الطائف؛ بل أصبح سؤال مصير: هذا.. ماذا.. لو؟.
هذا.. ماذا.. لو؟!
