في عالم التجزئة الحديث لم تعد المتاجر الكبرى مجرد أماكن لبيع السلع، بل تحولت إلى طرف مؤثر في حياة المستهلك اليومية وفي قدرته على إدارة دخله وقراراته الشرائية. فالهايبرماركت اليوم تتحكم في ما يُعرض على الرفوف، وما يثق المستهلك بجودته، وهو ما يجعل مسؤوليتها تتجاوز البيع إلى حماية اقتصاد المستهلك ذاته. وفي هذا السياق يبرز نموذج بعض السلاسل العالمية التي بنت سمعتها على معادلة واضحة.. سعر عادل مقابل قيمة حقيقية، لا سعرًا منخفضًا على حساب الجودة. تعتمد المتاجر الكبرى عادة على قوتها الشرائية الضخمة للتفاوض مع الموردين وخفض التكاليف، وهو أمر مشروع ومفيد، متى ما انعكس على المستهلك بأسعار مناسبة وجودة مستقرة. غير أن الإشكالية تبدأ عندما يصبح السعر هو المعيار الوحيد، فتُطرح منتجات ضعيفة القيمة لا تحقق الغرض منها، فيتحول التوفير الظاهري إلى خسارة حقيقية. فالسلعة التي لا تُستخدم أو لا تمنح الحد الأدنى من الرضا تنتهي غالبًا في القمامة، ومعها ينتهي جزء من مال المستهلك وثقته، وقد لمست هذا الأمر شخصيًا من خلال تجربة بسيطة لكنها معبّرة مع الكستناء التي أعدّها من متع الشتاء وطقوسه الجميلة. عند زيارتي لعدد من الهايبرماركت المحلية بحثًا عنها، لم أجد سوى نوع واحد مستورد ومذكور بوضوح أنه صيني المنشأ. ورغم هذه الشفافية كانت الجودة مخيبة للآمال، فبعد الشواء تلتصق القشرة ويصعب العثور على حبة صالحة للأكل تمنح المتعة المتوقعة. والنتيجة أن جزءًا كبيرًا منها يُهدر. ويشعر المستهلك بأن ماله أُنفِق على منتج لا قيمة حقيقية له. هذه التجربة تطرح تساؤلًا مشروعًا حول جدوى استيراد وبيع سلع، يعلم التاجر مسبقًا أنها لا تلبي توقعات المستهلك، أو لا تصلح للاستخدام الطبيعي. فحتى مع وضوح بلد المنشأ، يبقى طرح منتجات منخفضة الجودة استنزافًا غير مباشر لموارد المستهلك، ويسهم في زيادة الهدر الغذائي بدل الحد منه. وهنا تتجلى الفجوة بين البيع كفعل تجاري، وخدمة المستهلك كمسؤولية اقتصادية وأخلاقية، ولعل الإشارة إلى تجربة وولمارت في هذا السياق مهمة فهذه السلسلة العالمية، رغم الجدل حول سياساتها الصارمة مع الموردين رسخت مفهوم”الأسعار اليومية المنخفضة” مقرونًا بمعايير ثابتة للجودة. فهي تضغط لخفض التكاليف، لكنها في المقابل تفرض مواصفات واضحة تضمن للمستهلك قيمة متوقعة مقابل السعر. هذا التوازن هو ما ينبغي أن تسعى إليه الهايبرماركت محليًا. في المحصلة، حماية اقتصاد المستهلك تعني احترام قوته الشرائية، واختيار ما يُعرض على الرفوف بعناية. وعندما توازن المتاجر الكبرى بين السعر والجودة، فإنها لا تبيع سلعًا فقط، بل تبني ثقة وتحد من الهدر وتساهم في اقتصاد أكثر عدالة واستدامة.
أبو فروة وحقوق المستهلك
