مقالات الكتاب

الرياض وجمال المطر

تكتسي الرياض في أيام المطر ثوبًا مختلفًا، وكأنها مدينة تُولد من جديد. فحين تتلبد السماء بالغيوم، وتهطل الأمطار بهدوء أو بشيء من السخاء، يتبدل الإيقاع العام للحياة، وتغدو التفاصيل أكثر حضورًا وعمقًا. المطر في الرياض ليس مجرد ظاهرة مناخية عابرة، بل حالة شعورية لها وقعها الخاص في النفوس، لما تحمله من رمزية واشتياق وذاكرة جماعية ارتبطت بندرة المطر وجمال انتظاره.
اعتاد أهل الرياض أن يترقبوا الغيم كما يترقبون بشارة خير. فالمطر هنا لا يأتي كثيرًا، ولذلك حين يحضر، يُستقبل بفرح صادق لا تصنعه المبالغة ولا تفرضه العادة. تخرج العائلات إلى البر لتعيش فى المخيمات و، تتبادل الدعوات، وتتوقف الأحاديث اليومية المعتادة ليحل محلها حديث واحد: “اللهم صيبًا نافعًا”. في تلك اللحظات، تتساوى المدينة بكل أطيافها؛ فلا فرق بين حي راقٍ وآخر شعبي، فالجميع ينظر إلى السماء بذات الرجاء.
ومع أولى قطرات المطر، تتغير ملامح الرياض. الشوارع التي اعتادت حرارة الشمس تعكس لمعان الماء، والهواء الذي أنهكته الأتربة يصبح أكثر نقاءً وانتعاشًا. الأشجار القليلة في المدينة تبدو وكأنها تستعيد لونها الحقيقي، وتتنفس الأرصفة بعد طول عطش. حتى ضجيج السيارات يخف، ويحل محله صوت المطر وهو يلامس الأرض، صوت بسيط لكنه كفيل بإعادة الطمأنينة إلى القلوب.
لا يقف أثر المطر عند المشهد الجمالي فقط، بل يتجاوزه إلى بعدٍ نفسي وإنساني أعمق. ففي هذه الأجواء، يتذكر الإنسان ضعفه وحاجته، ويستشعر معنى الرزق الذي لا يملكه أحد مهما بلغت قوته. المطر يعلّمنا أن العطاء الحقيقي يأتي من السماء، وأن التخطيط والعمل مهما بلغا، يبقيان بحاجة إلى توفيق من الله. لذلك ترتبط لحظات المطر بالدعاء، وتُفتح فيها أبواب الأمل، وتلين القلوب القاسية.
أمطار الرياض تعيد للذاكرة صورًا قديمة؛ أيام الطفولة، حين كان الخروج بعد المطر مغامرة بريئة، وحين كانت البرك الصغيرة مصدر فرح لا ينتهي. تعيدنا إلى زمن كانت فيه البساطة عنوان السعادة، وكان المطر حدثًا يُروى لا خبرًا يُتداول في وسائل التواصل. واليوم، ورغم اختلاف الزمن وتسارع الحياة، ما زال للمطر القدرة ذاتها على إيقافنا قليلًا، وإجبارنا على التأمل.
ومع هذا الجمال، لا يمكن تجاهل الجانب الآخر من المشهد. فالأمطار تكشف أحيانًا عن تحديات بنيوية في بعض الطرق والتصريف، وتذكرنا بأهمية الاستعداد والتخطيط الحضري المتكامل. غير أن هذه الملاحظات، وإن كانت ضرورية، لا تنتقص من جمال اللحظة، بل تجعلها دعوة للتطوير والتحسين، حتى يبقى المطر نعمة خالصة لا يعكر صفوها شيء.
في النهاية، تبقى أمطار الرياض رسالة أمل تتجدد مع كل غيمة. تذكرنا بأن الفرح قد يأتي فجأة، وبأن الجمال لا يحتاج إلى تكلّف، وبأن في هذا الوطن مساحات واسعة للبهجة البسيطة التي تجمع الناس على شعور واحد. جو جميل مع أمطار الرياض ليس مجرد وصف لحالة طقس، بل حكاية مدينة، وذاكرة مجتمع، ولحظة صفاء نحتاجها جميعًا وسط زحمة الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *