جدل مصطنع جديد، وهذه المرة حول لون (الخزامى) في قميص المنتخب السعودي، وكأن مستقبل الرياضة السعودية يتوقف على درجة معينة من الأخضر، أو تدرّج لوني يضاف إلى التصميم. هذا النوع من النقاشات يكشف ضيقًا في الرؤية، وتجاهلًا للسياق الحقيقي الذي يتطلب التركيز على الأداء، والتخطيط، وتطور الكرة السعودية على لون لا يغيّر شيئًا في الملعب .
تاريخياً المنتخبات الكبرى غيّرت ألوانًا، استخدمت درجات جديدة، دمجت رموزًا تقليدية وحديثة، ولم تنهرْ هويتها، المشكلة ليست في اللون، بل في الرغبة في اختلاق مشكلة، وربطها بمواضيع تعطي انطباعًا زائفًا؛ بأن الهوية يمكن أن تختزل في قماش، لا في منظومة رياضية متكاملة، ناهيك عن أن هذه الطروحات لا تستند إلى علم التصميم ولا علم الهوية البصرية، بل إلى ذوق شخصي يُقدّم؛ وكأنه قضية رأي عام، والأغرب أن التوقيت يأتي بينما المنتخب يعيش مرحلة مهمة خلال مشاركة مهمة.
إن دمج الثقافة المحلية في تصميم ملابس المنتخبات ليس نزوة أفراد، وليس عشوائية؛ بل ممارسة عالمية تعكس فخر الدولة برموزها؛ فلون الخزامى لون سعودي أصيل مرتبط ببيئة المملكة النباتية والتراث البصري، ليس غريبًا ولا دخيلًا، وهو امتداد لمفهوم يبحث عنه العالم اليوم، وهو أن ترتدي الفرق ألوانًا مستمدة من الجغرافيا، والثقافة، والبيئة، والتاريخ، والطبيعة المحيطة بها. اليابان تفعل ذلك، وكذلك المكسيك وفرنسا ونيجيريا وحتى نيوزيلندا، كلها دول مزجت الهوية الثقافية في قمصانها الرياضية لتقديم رسالة للعالم “هذه ليست مجرد مباراة. هذه ثقافتنا تمشي على أرض الملعب”. ولكن المصيبة الكبرى ليست هنا، ولكنها في من يرى (الخزامى) أزرق! هنا قد أتعاطف مع الشخص إن كان لديه مشكلة طبية في النظر، ولكن إن لم يكن الأمر كذلك؛ فالخلل ليس في حاسة النظر.
السعودية اليوم هويّة تتسع ولا تضيق، ومن الطبيعي أن تظهر ألوان جديدة، ورموز جديدة، ونقوش مستمدة من تراث المملكة؛ وذلك لا يلغي الأخضر، ولا يقلل من رمزيته، بل يوسّع دائرة الهوية ليعكس غنى المملكة وتنوعها، وفي النهاية اللون لا يصنع منتخبًا، ولكن الثقافة تصنع هوية، والقميص ليس مجرد ملابس؛ هو أداة اتصال بصري بين منتخب وشعبه، وحين تُستخدم الثقافة المحلية لتصميم هذا القميص؛ فإن المنتخب لا يكتسب لونًا جديدًا، بل يرتدي سردية وطنية تُحكى للعالم.
الحقيقة أن المنتخب يكبر، والرياضة السعودية تتوسع، وهويتنا أصبحت قادرة على استخدام أكثر من لون، دون أن تفقد معناها، والأجدر بالجماهير والمحللين أن يدعموا هذا المسار بدلاً من الانشغال بأطياف لا تغيّر شيئًا في النتيجة.
بُعد آخر..
يقول المثل (ما لقوا في الورد عيب.. قالوا له يا أحمر الخدين) وأنا أقول: ما لقوا في البنفسج عيب، قالوا عنه “بلوروزماري”… للعلم الأزرق نادر جداً في الزهور.
معركة الخزامى وضعف النظر
