مقالات الكتاب

شبه القراءة بالأكل

حينما قال الروائي الفرنسي الكبير فيكتور هوغو (كاتب رواية البؤساء): إن القراءة هي كالأكل والشرب؛ فالعقل الذي لا يقرأ يصبح نحيفًا كالجسد الذي لا يأكل، فهو إنما يشير إلى درجة من المساوقة بين الأكل والشرب من ناحية، والقراءة من ناحية أخرى.
فكما أن الأكل والشرب هو ما يجعل الجسد قادرًا على أداء مهامه اليومية، فكذلك القراءة تجعل العقل في حال دائم من العمل، وتحفظ له اتقاده ومواكبته لما يجري حوله.
وعندما يعي الإنسان أهمية القراءة؛ فإن عقله ستصبح لديه ملكة تشبه ملكة جسمه حين يشعر بالجوع والحاجة إلى الطعام فيبادر إلى الأكل دون أن ينتظر من يدفعه إلى ذلك، مع فارق أن حاجة عقله هنا هي إلى المعرفة المتمثلة في القراءة، التي تشبع جوعه المعرفي، وتسد حاجته إلى فهم معنى ما أو جانب ما غاب عنه.
وكما تتنوع موائد الطعام والشراب وتتفاوت قيمها الغذائية، تتنوع مستويات الكتب وأهميتها لعقل القارئ. والأمر ذاته ينطبق على أذواق الناس التي تتفاوت في إقبالها على أنواع الأطعمة، تمامًا كما يحصل مع عالم الكتب.
ويمكن أن نعد الكتاب كالمائدة؛ كل صفحة فيه هي طبق لكن فكري، وكل فكرة فيه كاللقمة التي نأكلها من الطبق، وكل حكمة فيه كالمشروب أو العصير الذي نشربه فينعش جسمنا.
ويتماثل الطعام والكتب في أن كليهما فيه الغث والسمين، وفيه الضار والمفيد بدرجات متفاوتة، وكذلك في التفاوت في القدرة على التعامل معهما؛ فكما أن هناك من الأطعمة ما يهضمه الجسم بسهولة، ومنه ما يحتاج إلى ساعات لكي يقوم بذلك، فإن من الكتب ما يستطيع العقل استيعابها بسرعة وأخرى تحتاج إلى تركيز كبير، وربما حتى استعانة بصديق أو قاموس لفهمها؛ كالكتب الفكرية وكتب الفلسفة والتاريخ. وكما أن الأطعمة تحتاج إلى مضغ جيد لتُهضَم جيدًا، ومن ثَم يستفيد الجسم منها، فإن الكتب بحاجة إلى قراءة متأنية وتفكير وتأمل لكي يفهمها القارئ ويستفيد منها عقله.
ويمكن أن نعد المقبلات في الأطعمة كالكتب الخفيفة؛ كالروايات أو القصص القصيرة أو الأشعار أو الأدب المبهج، والأطعمة الثقيلة- كاللحوم وغيرها- كبعض الكتب صعبة الفهم في بعض الحقول العلمية.
وكما أن من الأطعمة ما هو ضار وسيئ، وقد يتسبب بعضها في تسمم غذائي، فإن من الكتب ما قد يصيب البعض بانحرافات فكرية، أو على الأقل بقلق وتذبذب فكري من النوع السلبي إن لم تكن لديه درجة من الحصانة الفكرية.
وكما أنه يُنصح بتناول الطعام مع أفراد العائلة؛ من أجل تعزيز العلاقات العائلية، فكذلك القراءة الجماعية التي لا تقل أهمية في ذلك عن الطعام، حين توثق العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة.
وختامًا فكما أن علينا ألا نكتفي بصنف واحد من الطعام والشراب فنصاب بهزال جسمي أو فقر دم، فإن علينا أن ننوع من مجالات قراءاتنا لكي تشمل جميع العلوم والفنون حتى لا نصاب بدرجة من الهزال الفكري، وربما الضياع بدرجة أو أخرى في ميادين الحياة، مع الحرص على التزود بالقراءة يوميًّا، تمامًا كما نفعل مع الطعام والشراب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *