يشكو كثير من الموظفين اليوم من ضغط العمل، ومن الإرهاق، ومن أن الوظيفة سرقت أوقاتهم واستنزفت طاقاتهم. ورغم أن هذا الشعور طبيعي في بعض الأيام، إلا أن الإنصاف يقتضي أن ينظر كل موظف إلى واقع الوظائف الأخرى، التي يعيش أصحابها ظروفًا أقسى وأصعب بكثير.
في المصانع الضخمة، يعمل مسؤول الأفران تحت حرارة تصل إلى ألف درجة، يواجه الخطر يوميًا، وفى أى خطأ يفقد حياته وحياة من حوله ولا مجال للخطأ في عمله. وعلى مواقع البناء، يقف المهندس ساعات طويلة تحت شمس الصيف الحارقة، وبرد الشتاء القارس ليكتمل المشروع في موعده. وهناك رجال الإطفاء الذين يركضون إلى النار لا منها، ورجال مكافحة المجرمين والإرهاب الذين يخرج أحدهم من بيته، وهو لا يعلم هل سيعود إلى أهله أم يعود معهم خبر استشهاده.
وفي الجانب الآخر من الحياة، هناك من لا يملك حتى فرصة الشكوى؛ أشخاص فقدوا وظائفهم، أو يرقدون على الأسرّة البيضاء يصارعون أمراضًا مزمنة، أو يخضعون لجلسات غسيل الكلى والعلاج النووي لمحاربة السرطان. وهناك من يعمل في وظائف مرهقة وطويلة الغياب عن الأهل، كالعاملين في السفن التي تستغرق رحلاتها شهورًا بعيدًا عن الوطن.
إن الرضا بالوظيفة، مهما كانت تحدياتها، هو تقدير لنعمة ربما لا نشعر بها إلا حين نفقدها. فالاستقرار نعمة، والصحة نعمة، والقدرة على العمل نعمة لا تُقاس بثمن. وليس المطلوب إنكار الصعوبات اليومية، بل المطلوب أن نرى الصورة كاملة، وأن ندرك أن الله منحنا ما يمنح غيرنا بصعوبة بالغة.
ويبقى الدرس الأهم: احمد ربك على ما بين يديك، فهناك من يتمنى نصف ما لديك، وهناك من ينظر إلى وظيفتك على أنها حلم لا يستطيع الوصول إليه.
نعمة الوظيفة لا يدركها إلا من فقدها
