لا شك أن الذكاء الصناعي، وخاصة بعد تسريع وتيرة انتشاره بعد جائحة كورونا، قد تغلغل في حياة الإنسان المعاصر، وربما يكون قد بسط سيطرته تمامًا عليه، قبل أن ينتصف القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه الآن. لم تأت جائحة كورونا بخير على العالم، فقد أصبحت الحياة بعدها مختلفة كلياً عما كانت عليه. لسنا هنا بصدد حصر المجالات المتعدّدة التي كسر فيها الذكاء الصناعي عظم الإنسان وشلّ حركته حرفياً ومجازياً، بل سنتوقّف هنا في مجال التربية والتعليم فقط دون المجالات الأخرى. قبل جائحة كورونا، كان التعليم عن بعد، أو التعليم الإلكتروني يحدث في أضيق الحدود، ولم ينتشر بنفس القوة التي نراها اليوم؛ حيث نرى منصّة مدرستي وقد أصبحت هي الملجأ والملاذ عندما تتعذّر عملية التعليم في ذلك المكان، الذي نسمّيه مدرسة، عندما يلتقي الطالب بمعلميه وزملائه الطلاّب في سياق اجتماعي ثري. قد تتعذّر الدراسة لأي سبب، سواء كان ذلك السبب في الظروف الجوية، أو لا قدّر الله ظروف صحية مثل الجائحة إياها. لا ضير في ذلك، لكن هذا لا يعني إلغاء دور المدرسة. ليست المدرسة فقط مكانًا لنقل المعلومات والمعارف للطلاب، بل هي مكان للتفاعلات الاجتماعية الإيجابية يتبادل فيها الطلاب والمعلمون الخبرات التي تحدث بينهم في بيئة تربوية صحية قد لا تتوفّر في غيرها. لسنا هنا في هذا المقال بصدد تحرير أكاديمي لمصطلحات التعليم عن بعد، أو التعليم الإلكتروني، أو بتعداد الدراسات العلمية التي تثبت فعالية هذا النوع من التعليم من عدمها، لكننا هنا فقط نحاول الوقوف نظريًا عند تأثير هذا التقدم الهائل في التقنية، خاصة في مجال الذكاء الصناعي، الذي انتشر وأصبح على بعد ضغطة زرّ في هاتف متحرّك بين أيدي الطلاب والطالبات، بغض النظر عن مرحلة التعليم التي يدرسونها؛ سواء كان ذلك في التعليم العام أو الجامعة. نحن في الحقيقة أمام معضلة كبيرة في النظرية التربوية، وربّما يمتد هذا التشاؤم إلى مجالات أخرى. هذه المعضلة، كما يراها كاتب هذه السطور، جاءت بسبب التحدّيات الهائلة والمعطيات الجديدة، التي فرضتها عجلة التقدم وخاصة في مجالات الذكاء الصناعي؛ حيث أصبحت النظرية التربوية غير ذات جدوى في مواجهة هذا التيار الجارف إلا في حالة واحدة وهي مقاومة هذا التيار، خاصة أن التعلّم تربوي في المقام الأول، وليس معرفياً أو معلوماتياً، كما نتعامل معه اليوم. من أجل مصلحة الإنسان، وهي ما تسعى إليه التربية. الحل يكمن في إيقاف هذا التقدّم القاتل.
من وجهة نظر شخصية، التربية تتقهقر إلى الوراء، ولا يلوح بالأفق أي نظرية تربوية يمكن الاعتماد عليها في مواجهة هذا التسارع المخيف نحو التقنية المادية. ربما يكون المشتغل في الهمّ التربوي آخر من يحتفل في مثل هذا التقدّم، وأن عليه أن يدرك أن تلك المؤتمرات التي تحتفل بالذكاء الصناعي، ويمشي إليها التربوي برجليه؛ إنما هو في الواقع يمشي في جنازته شخصياً قبل أن يدفنها إلى الأبد.
khaledalawadh @
