المقارنة الاجتماعية؛هي تلك التي يقوم فيها الأفراد بمقارنة أنفسهم بالآخرين؛ لتقييم إمكاناتهم ونجاحاتهم ومظاهرهم الشخصية بدافع فطري للتطوير، وقد طور عالم النفس ليون فستنجر عام 1954م نظرية المقارنة الاجتماعية، التي ترتكز على أن أفراد يقيمون أنفسهم عبر المقارنة مع الآخرين لمعرفة مكانتهم الاجتماعية والشخصية، بيد أنها قد تغدو “سارقة الفرح” كما يُنسب للرئيس ثيودور روزفلت عندما تصيب صاحبها بإحساس النقص والدونية وتلاشي الرضا والسعادة الشخصية، وتصبح متلازمة نفسية مرضية.
وهي قديمة وسابقة لعصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فقد كانت تتم بصورة طبيعية واقعية محدودة عبر مقارنة الفرد نفسه بالمحيطين به، ثم جاء الإنترنت وطوفان المعلومات؛ لتتوسع المقارنات الافتراضية في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، فمنصات مثل إنستغرام وسناب شات وتيك توك وفيس بوك تطرح على روادها مقاطع مأخوذة بعناية من حياة الناس في مناسباتهم، وحياتهم السعيدة في غياب الجانب الآخر للصورة من إخفاق ومعاناة وغيره، لتبدأ المقارنة غير العادلة التي تجلب الإحباط والغيرة والقلق.
هنالك نوعان من المقارنات؛ المقارنة التصاعدية، وفيها يقارن الفرد نفسه بشخص يعتبره أحسن منه في أمور معينة؛ كالغنى أو الإنجاز أو المظهر، ويفضي هذا النوع من المقارنات إلى دفعه لبذل الجهد وصولاً إلى أهدافه؛ لكنها تخلق الإحساس بالدونية والإحباط وضآلة تقديره لشخصه. أما المقارنة التنازلية التي يقارن فيها الفرد نفسه بمن هم أقل منه، فتكرس الثقة بالنفس لكنها تثبّط التطورالشخصي وتولّد الإحساس بالرضا.
المقارنة الاجتماعية لها تداعيات شتى؛ فقد تدعم المقارنات التصاعدية التطور الشخصي، لكنها تفضي إلى عواقب سلبية، عندما تكون افتراضية غير واقعية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأهم آثارها تدني تقدير الذات وتغذية الإحساس بالدونية وزيادة القلق والاكتئاب وإصابة الفرد بمتلازمة المحتال، عندما يحس الأفراد بأنهم غير جديرين بنجاحاتهم ويهابون اتضاح أمرهم كمحتالين، وانخفاض الدافع وما له من تأثير سلبي؛ حيث يشعر البعض باليأس والإحباط؛ لاعتقادهم أنهم غير قادرين للوصول إلى مستوى أولئك الذين يقارنون ذاتهم بهم والغيرة والاستياء والقلق من فوات الفرص(FOMO)وغيره .
العلاج في توعية الشباب بتداعيات ثورة الاتصالات والمعلومات، التي فاقمت المقارنات الاجتماعية، وإقامة دورات لإعداد الشاب بغية انتفاعهم من إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي وتجنب سلبياتها خاصة المقارنات الاجتماعية، وإقامة دورات تدريبية لتعميم الوعي بجوانبها السلبية وتشجيع الشباب للقيام بأنشطة تكرس احترام الذات؛ كالرياضة والهوايات الأخرى والدعم النفسي للذين يعانون من ضآلة احترام الذات، وتقليل الوقت على المنصات وتقدير الذات بأعمالها الواقعية والاعتناء بالعلاقات الإنسانية.
وأخلص إلى أن تداعيات المتلازمة لا تقف على الأفراد، بل قد تطال قيم المجتمع وثقافته لتتلاشى القناعة، ويسود صوت المظاهر ويتقلص الإحساس بالرضا الشخصي لدى الذين يعانون من هذه المتلازمة.
باحثة وكاتبة سعودية
