السياسة

يعيشون فوق الموت وتحت القصف.. نازحون يحتمون بالمقابر هرباً من رعب الحرب

البلاد (غزة)
في مشهد يلخص عمق المأساة الإنسانية في غزة، تتقاطع الحياة والموت في مكان واحد، فبين القبور، في مقبرة بخان يونس جنوب القطاع، تتدلى سجادة صلاة على حبل غسيل، ويزحف طفل صغير بكرسي متحرك يدفع أمامه غالون ماء، بينما يتصاعد دخان الطهي من بين شواهد القبور. هنا يعيش عشرات الفلسطينيين النازحين الذين لم يجدوا مأوى سوى مقابر الموتى.
تقول بريكة،وهي أم فقدت منزلها في قصف إسرائيلي على حيّها بخان يونس وفقاً للعربية، إنها اضطرت مع أسرتها إلى نصب خيمتهم بين القبور بعد أن دُمّر منزلهم بالكامل، مشيرةً إلى أنهم لا يستطيعون العودة لأن القوات الإسرائيلية لا تزال تحتل المنطقة. وتضيف بنبرة تعب ممزوجة بالأسى: “نشعر أننا ننتهك حرمة الموتى، لكن ليس أمامنا مكان آخر نلجأ إليه”.
من بين جيرانها أحمد أبو سعيد، الذي كُتب على شاهدة قبره أنه توفي عام 1991 عن عمر 18 عاماً. وبينما يحاول الأحياء التأقلم مع مكانهم الجديد، يبقى الخوف سيد الموقف. يقول محمد شما، الذي يعيش في المقبرة منذ ثلاثة أشهر بعد تدمير منزله: “أنا رجل بالغ، ومع ذلك أشعر بالخوف من القبور ليلاً.. أختبئ في خيمتي حتى الفجر”.
ويجلس شما على شاهد قبر مكسور متذكراً يوم لجأ إلى هذا المكان ولم يكن يملك سوى 200 شيكل، استعان بها لنقل عائلته إلى المقبرة. أما زوجته حنان شما، فتغسل أوانيها في وعاء صغير وتحاول حفظ كل قطرة ماء، وتقول: “الحياة هنا مليئة بالخوف والرعب، لا نوم ولا راحة.. نعيش فوق الموت وتحت القصف”.
لكن حتى بين الأموات، لا يوجد مأمن. فقد وثّقت الأمم المتحدة وجهات مراقبة قصف مقابر عدة في غزة خلال الحرب، بينما تزعم إسرائيل أن بعض المقابر تُستخدم من قبل حماس كمواقع عسكرية، ما يجعلها “تفقد الحماية” بموجب القانون الدولي، بحسب قولها.
ومع وقف إطلاق النار المؤقت، تحولت المقابر أيضاً إلى ساحات لدفن جثث جديدة تُنتشل من تحت الركام، بعضها يُوارى الثرى تحت الرمل دون ألواح حجرية، ويُعلَّم بأحجار بسيطة. وقد ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 68 ألفاً و800، فيما لا تزال فرق الإنقاذ والعائلات تبحث بين الأنقاض عن المفقودين.
يقول شما في نهاية حديثه بصوت متعب: “الهدنة لم تغيّر شيئاً.. ما زلت أعيش في المقبرة، بلا بيت، بلا أمل.. بين الأموات فقط وجدت مكاناً للحياة”.
هكذا تحولت المقابر في غزة إلى مأوى قسري للأحياء، في مشهد يختصر حجم الألم الإنساني الذي تركته الحرب، حيث أصبح الموت أرحم من النزوح، والمقبرة آخر ملجأ للحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *