مقالات الكتاب

عن الأدب المبهج

عجب عجب عجب عجب! *** بقر تمشي ولها ذنب!
ولها في بزبزها لبن *** يبدو للناس إذا حلبوا
هذان بيتان هما مطلع قصيدة كتبها الشاعر المملوكي علي بن سودون (1407-1463م) في كتاب تحت عنوان (نزهة النفوس ومضحك العبوس) يتضمن قصائد هزلية وحكايات ساخرة. وأتذكر أنني قرأت جزءًا من هذه القصيدة في طابور مدرستي في عام 1976م.
يسمى هذا النوع من الأدب (الأدب المبهج)، ويُكتب من أجل إثارة مشاعر إيجابية لدى القارئ؛ مثل الأمل والسعادة والإلهام. وتتنوع موضوعاته ما بين الكوميديا الخفيفة والعلاقات الإنسانية الإيجابية، أو موضوعات أخرى تتنوع لكنها تلتقي جميعًا في ميلها نحو التفاؤل والنهايات السعيدة مع اعتمادها على لغة بسيطة وسلسة، قد يكون شعرًا أو نثرًا.
ويساهم الأدب عمومًا وبمختلف أنواعه في تقليل التوتر عبر عدة تقنيات؛ فمن ذلك أن الأدب، والقراءة عامة، تشتت التوتر والمشاعر السلبية؛ حيث يشعر بعدها القارئ بحالة من الارتياح بعد يوم طويل ومرهق من العمل.
لكن للأدب المبهج (الذي يسمى كذلك الأدب المهدئ) قدرة أكبر على بعث حالة من الارتياح على القارئ لا تتوفر في أنواع أخرى من الأدب. كما يعد جزءًا مما يسمى العلاج بالقراءة؛ لكونه يستعين بآليات متعددة؛ منها استخدامه لشخصيات محببة لدى القارئ، واستعانته بموضوعات إنسانية دافئة وخفيفة لا تتطلب جهدًا فكريًّا كبيرًا وبعيدة عن أي صراعات معقدة أو نهايات حزينة.
وحتى حين لا يكون القارئ بحاجة نفسية إلى قراءة هذا النوع من الأدب فإنه يمكن أن يكون كالوجبة الخفيفة بين الوجبات، أو كقراءة عابرة بين الكتب الدسمة حتى يستعيد لياقته القرائية بانتظار جولة أخرى من القراءة الجادة والمعمقة.
ولا يعني الأدب المبهج بالضرورة هروبًا من الواقع وتجاهلًا لمشكلات الحياة وتعقيداتها، بل قد يعد معينًا على مواجهة ذلك بصدر رحب، وحرزًا يقي من مضاعفات ذلك.
وهناك نماذج وأمثلة عديدة لهذا الأدب في جميع الثقافات عبر التاريخ، قد تكون شعرًا أو نثرًا أو روايات وقصصًا قصيرة، وهي تلقى رواجًا كبيرًا، وعادة ما تبقى حية سنوات طويلة؛ لأنها خفيفة أولًا؛ لا تتطلب جهدًا ذهنيًّا في الغالب، ولأنها تنحو لمعالجة القلب لا العقل، ثانيًا.
ومما قاله ابن سودون أيضًا:
كأننا والماء من حولنا
قوم جلوس حولهم ماء
وقال كذلك:
البحر بحر والنخيل نخيل
والفيل فيل والزراف طويل

@yousefalhasan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *