مقالات الكتاب

«الوزير شال الثلاجة»

هذا عنوان مسرحية للكاتب المصري الكبير سعد الدين وهبة، كتبها قبل اكثر من 45 عامًا، تذكرته عندما اشتكى لي صديقي من غياب الناس عنه، بعد أن ترك وظيفته المرموقة.
” الوزير شال الثلاجة” تروي قصة أحد الوزراء، عندما استيقظ متاخرًا ذات يوم فخاف أن يكون فاته الكثير من الأعمال، وتعجب أن هاتفه لم يرن، ولم يتصل به أحد؛ سواء من موظفي الوزارة، أو من أصحابه الوزراء؛ فقرر أن يذهب إلى الوزارة لعله يجد جوابًا؛ فركب سيارته واتجه إلى مكتبه، وما إن وصل إلى مبنى الوزارة كان كل من يقابله ينظر إليه بدهشة. وهناك اكتشف إشاعة منتشرة بأنه عزل من منصبه. واكتشف أن أحد الموظفين عرف أن الوزير قد أخذ الثلاجة الخاصة من مكتبه إلى خارج الوزارة، وفهم ذلك الموظف من نقل الثلاجة أن الوزير يجمع متعلقاته وأوراقه الخاصة من المكتب؛ لأنه سيغادر منصبه بسبب حدوث تعديل وزاري.
وانتشرت الإشاعة خارج الوزارة حتى صدقها الجميع. بينما الحقيقة أن الوزير كان يريد إصلاح الثلاجة.
نعود إلى صديقي الذي استيقظ ذات يوم من النوم متأخرًا عن الوقت المبكر الذي اعتاد عليه،
وأخذ يتلفت حوله وهو متعجب من الهدوء الكامل. ونظر إلى هاتفه منتظرًا أن يتصل به أحدهم. ومر أكثر من ساعة دون أن يتلقى أي اتصال فتعجب، خاصة أن هاتفه كان لا يكف عن الرنين. ففتح الهاتف للتأكد من أنه يعمل. وبالفعل اتصل بي، وقال: أين ذهب الناس؟
قلت: أي ناس؟ إن كنت تقصد أصدقاءك فهم على بعد اتصال منك، وإذا كنت تقصد كل من كان يتصل بك طلبًا للمساعدة أو للاستفسار عن طريقة لتحريك معاملته وإنجازها، فهؤلاء لن يتصلوا بك لأنك اصبحت على المعاش متقاعدًا.
وهنا صمت صديقي؛ حتى يستوعب كلامي، وحتى أكسر الصمت قلت: هذه سنة الحياة، فهناك من كان يتصل بك يوميًا؛ لأنه قد يحتاج إلى مكانتك في قضاء بعض أموره، وهناك من كان يتواصل معك؛ لأنه صديقك الذي عرفك منذ أن كنت طالبًا في المدرسة، وهو من سيستمر بالاتصال بك، فأنت كنت وستظل صديقه الدائم.
كان الكبار دائمًا يقولون: إنه بعد الوظيفة لن يبقى حولك إلا القليل من الناس الذين يحرصون عليك كصديق مخلص، وليس كصاحب منصب.
الشاهد أنه لكل وظيفة “أصدقاء”، أو أصحاب مصالح يأتون معها؛ فإذا ذهبت الوظيفة ذهبوا معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *