لم يعد الوصول إلى كأس العالم إنجازًا استثنائيًا للكرة السعودية؛ فالتاريخ سجلها حاضرًا في سبع نسخ منذ التسعينات، لكن السؤال الحقيقي اليوم: كيف نُدير ما بعد الوصول؟ هل نبقى أسرى فرحة التأهل، أم نحولها إلى نقطة انطلاق نحو مشروع وطني متكامل يقودنا من مونديال 2026 إلى منصة التتويج في كأس آسيا 2027 على أرضنا؟
الاتحاد السعودي لكرة القدم أمام مرحلة مفصلية لا تقبل القرارات اليومية، ولا الحلول القصيرة، والمطلوب هو بناء “منتخب يُفكر”، لا”منتخب يُجرب” ، منتخب يملك فلسفة لعب واضحة، لا تتبدل بتبدل المدربين، ولا تهتز مع أول تعثر؛ لذلك على اتحاد القدم أن يقود تحولًا جذريًا في فلسفة العمل داخل المنتخب، بحيث لا يكون هدف المرحلة هو الفوز في مباراة أو بلوغ دور محدد، بل بناء هوية فنية واضحة تُترجم في الأداء، وليس فقط في النتائج؛ لذلك يجب أن يكون اختيار المدرب بمنهجية فنية واقعية ، وتثبيت مشروعه الفني، يجب أن يكون وفق رؤية تمتد لأربع سنوات على الأقل، بعيدًا عن التبديلات السريعة، أو القرارات الانفعالية التي تستهلك ما يُبنى بصعوبة .
لقد أرهق المنتخب لعقود بفكرة “المدرب المنقذ” و”المعسكر الطارئ” و”الاجتماع الحاسم”، وكأننا نعيش في حلقة دائمة من الإنقاذ اللحظي؛ فالكرة الحديثة لا تُدار بهذه الطريقة، والمنتخبات الكبرى التي نحلم بمنافستها تعمل وفق منظومات ممتدة تتوارثها الأجيال، حيث يصبح اللاعب الجديد جزءًا من مشروع، لا من صدفة اختيار؛ لذلك على الاتحاد السعودي لكرة القدم أن يتعامل مع المدرب القادم – أو الحالي – بمنطق الشراكة الزمنية الطويلة، لا كموظف نتائج؛ فالفكر يحتاج وقتًا، والمنهج لا يُزرع في أسبوع.
المونديال هدف مهم، لكنه ليس نهاية القصة، فهناك حدث كبير آخر، وهو كأس آسيا 2027 في الرياض، وفيه تُختبر قوة المشروع، وهناك يُقاس أثر السنوات الأربع القادمة، والفوز باللقب ليس مجرد طموح جماهيري؛ بل واجب وطني يتناسب مع حجم التطور في الرياضة السعودية؛ فالفوز يتحقق بهيكل إداري وفني متماسك، يسبق البطولة بخطوات واضحة.
في النهاية المنتخب السعودي اليوم هو مرآة لرؤية وطن بأكمله، ونجاحه ليس صدفة، وفشله ليس قدَرًا، وفي ظل التحولات الكبرى التي تشهدها الرياضة السعودية؛ يجب على المنتخب الوطني أن يكون واجهة حقيقية للطموح والاحتراف والانضباط، وأن يُدار بمنهجية تستثمر الزخم المحلي والاهتمام العالمي بالرياضة السعودية، والمرحلة المقبلة ليست فقط مرحلة إعداد فريق، بل صناعة هوية وطنية كروية، تعكس مشروع دولة تسير بخطى ثابتة نحو العالمية.
المنتخب السعودي.. من «منتخب النتائج» إلى «منتخب المنهج»
