مقالات الكتاب

في رثاء د. عبدالله عمر نصيف

رحل أستاذي ومعلمي، ومع ابتسامته غابت شمس من شموس العلم والإنسانية.

كان الرجل الذي علمني أن البساطة عظمة، وأن الصمت حكمة، وأن القلب الطيب يمكنه أن يغيّر حياةً بأكملها.

لقد رحل الدكتور عبدالله عمر نصيف، تاركًا في قلبي فراغًا لا تملؤه الأيام، وذكريات تتنفس في كل زاويةٍ من حياتي.

عرفته شابًا في جامعة الملك عبدالعزيز عام 1975، ورأيت فيه آنذاك صورة المعلّم الذي يجمع بين وقار العلم ودفء الأبوة وحنان المعلم.

كان يستقبلنا بابتسامةٍ مليئةٍ بالمحبة، ينصت أكثر مما يتحدث، ويعلّمنا دون أن يرفع صوته، يزرع فينا حبّ المعرفة والتواضع والأخلاق الرفيعة.

كان قلبه كالبحر، يتسع للجميع، يفرح بنجاح طلابه أكثر مما يفرح بنجاحه، ويقف إلى جانبهم في الشدائد كما يقف الأب إلى جوار أبنائه. فلم يكن التعليم عنده مهنة يؤديها، بل رسالة يعيشها، ولم يكن المنصب غاية، بل وسيلة لخدمة الإنسان والوطن.

كان – رحمه اللّٰه – نموذجًا نادرًا للصدق والتواضع في زمن قلّ فيه الرجال من أمثاله. خدم بإخلاص في جامعة الملك عبد العزيز، وترك بصمةً لا تُنسى في كل مكانٍ عمل فيه.

ساهم في تأسيس مركز أبحاث الحج، ومعهد الاقتصاد الإسلامي، وغيرها من المراكز التي لايمكن إحضاؤها هنا، وكان له دور بارز في تطوير البرامج البحثية والأكاديمية التي جعلت الجامعة منارةً علمية في المملكة والعالم الإسلامي. حتى بعد مغادرته القاعات الاكاديمية، حمل رسالته إلى أفاق أوسع وأرحب.

وفي رابطة العالم الإسلامي؛ كان أبًا وناصحًا وأمينًا على قضايا الأمة، فتح مكتبه وقلبه لكل مسلمٍ من الشرق إلى الغرب، لا يردّ صاحب حاجة، ولا يغلق بابه في وجه محتاج. كان يرى أن خدمة الناس عبادة، وأن البذل طريقٌ لرضا الله.

ومن مقاعد التعليم إلى ساحات العمل الإسلامي إلى مجلس الشورى السعودي، ظل الدكتور عبدالله نصيف- رحمه اللّٰه- تجسيدًا للحكمة والاتزان والعطاء، وساهم في تطوير مفهوم المجلس، ونشر ثقافة الحوار والمشاركة الوطنية الواعية.

عرفته أستاذًا، وتشرفت بصداقته حين أصبحت سفيرًا لخادم الحرمين الشريفين في اليابان: :وظل كما عهدته دائمًا متواضعًا، صادقًا، ناصحًا، يتابع مسيرتي بفخر المعلم وحنان الأب! كنت أرى في كل نجاح أحققه ثمرةً من بذوره التي زرعها في مدرجات الجامعة منذ عقود.

لم يكن مجرد أستاذٍ في قاعة الدرس، بل كان مدرسة للحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ترك أثرًا خالدًا، لأن الرجال العظام لا يموتون، بل يعيشون في القلوب التي أحبتهم، وفي النفوس التي ألهموها.

 

كم من حياةٍ تغيّر مسارها بفضل كلماته، وكم من إنسانٍ وجد في دعمه وتشجيعه نور أمل جديدًا.

يا دكتور عبدالله: كنت رمزًا للخير، ومدرسة في التواضع، وسيرة خالدةً في العطاء. كنت ضوءًا يبدّد العتمة أينما حللت. واليوم وإن غاب جسدك، فذكرك باقٍ في القلوب التي أحبتك، وفي العقول التي أنارتها حكمتك، وفي الدعوات التي تُرفع لك كل صباحٍ ومساء.

سأظل أذكرك كما كنت: نقيًّا، صادقًا، بسيطًا، تنثر الخير من حولك بصمتٍ وابتسامة.

،وسأظل أدعو لك دومًا، وكما دعوت لك في حياتك، أن يجزيك اللّٰه عن علمك وإخلاصك وخدمتك لوطنك وأمتك خير الجزاء، وأن يجعل قبرك روضةً من رياض الجنة، ومثواك مع الصالحين.

لقد كنت أستاذي وقدوتي ومعلمي، وستظل كذلك ما حييت.

……..

تلميذك

عبدالعزيز تركستاني

Aziiz1234@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *