زين أمين
ليلةُ حبٍّ لا تُنسى، تردّد صداها في جنبات جمعية الثقافة والفنون، حين التأم الجمع في أمسيةٍ عنوانها «الحب»، وضياؤها الأستاذ المؤرخ والمستشار أحمد باديب، ومحاورَتها الدكتورة إيمان أشقر، وراعيها صالون الكلمة الثقافي الذي أبدع في التنظيم والرعاية.
كانت الأمسية أشبه بسمفونيةٍ وجدانيةٍ امتزج فيها الفكر بالعاطفة، والعلم بالإحساس، لتستحضر روح السيدة أم كلثوم وألحان محمد عبدالوهاب في أغنية «ليلة حب»، وكأنها الخلفية الموسيقية غير المعلنة لتلك الليلة المشرقة.
استقبلت القاعة ضيوفها بابتساماتٍ صادقةٍ ودفءٍ إنسانيٍّ نادر، فالحب لم يكن مجرد عنوانٍ للمحاضرة، بل كان حالةً ملموسة عاشها الجميع منذ لحظة الدخول. كان حرص الحضور على المشاركة والاستماع دلالةً عميقة على تعطّش المجتمع لمثل هذه الموضوعات التي تخاطب القلب والعقل معاً. وقد برزت براعة الأستاذ باديب حين خاض في موضوعٍ دقيقٍ وشائكٍ كالحب، دون أن يقع في فخّ العاطفة المجرّدة أو التعميم السطحي، بل اتكأ على ثقافةٍ موسوعيةٍ تجاوزت أربعين مرجعاً وكتاباً، كان أبرزها «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي.
بأسلوبه الهادئ العميق، أخذ المحاضر مستمعيه في رحلةٍ بين الفلسفة والدين وعلم الاجتماع، وصولاً إلى الحب كحالةٍ إنسانيةٍ متكاملة تجمع بين الدماغ والفؤاد والقلب. تحدّث عن تنوّع أنواعه وتجلّياته، وعن حضوره في الأدب والموسيقى، مستشهداً بأغاني أم كلثوم التي شكّلت مرآةً صادقةً لتجارب الحبّ الإنسانية، من العشق الأوّل إلى الفقد، ومن الانتظار إلى اللقاء. كانت كلماته بمثابة نهرٍ من المعرفة يتدفّق برقةٍ ووعيٍ وصدقٍ، فاستحق تصفيق الحضور الذي عبّر عن إعجابٍ وامتنانٍ عميقين.
وقد أضفت الدكتورة إيمان أشقر على الأمسية بريقاً خاصاً بلباقتها وحُسن إدارتها للحوار، إذ انتقلت بين المحاور بانسيابيةٍ رفيعة، وأثرت النقاش بأسئلتها الذكية وتعقيباتها الراقية التي فتحت آفاقاً جديدة أمام المستمعين. أمّا صالون الكلمة الثقافي فكان بحقّ وراء هذا النجاح المتكامل تنظيماً وتنسيقاً ورؤية، حيث تجلّت روح الفريق وتعاون الأعضاء في كل تفصيلةٍ من تفاصيل الأمسية، ليؤكدوا أن الثقافة حين تُدار بالحبّ تصبح رسالةً ساميةً وفعلاً حضارياً يليق بمدينةٍ تنبض بالإبداع.
إنها ليلةُ حبٍّ حقيقية، لا في عنوانها فقط، بل في تفاصيلها، حيث اجتمع الفكر والعاطفة، والموسيقى والكلمة، والعلم والوجدان، ليصنعوا معاً أمسيةً ستظلّ علامةً مضيئةً في سجلّ الفعاليات الثقافية.