مقالات الكتاب

المصانع تصنع الاستقرار

في كل مدينة نسمع عن مشاريع عقارية ضخمة؛ موالات عملاقة، ومجمعات سكنية، وأبراج شاهقة، وعمائر تجارية حديثة. هذه المشاريع بلا شك مهمة، فهي تعكس الحراك العمراني وتخدم المجتمع وتوفر الراحة والرفاهية للناس. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه: هل تكفي هذه المشاريع لبناء اقتصاد قوي ومستقبل مستقر؟
الحقيقة أن العقار رغم أهميته يظل مشروعًا استهلاكيًا أكثر من كونه إنتاجيًا. فهو يضيف جمالًا وتنظيمًا للمدن، لكنه لا يخلق دورة اقتصادية متكاملة. بينما المصانع هي التي تُحدث الفرق: مصانع تنتج غذاءنا، مصانع تبني سياراتنا، مصانع توفر أجهزتنا، مصانع تفتح لنا أسواق التصدير، وتخلق آلاف الوظائف للشباب.
تاريخ الأمم يثبت ذلك. اليابان بعد دمار الحرب لم تنهض بالأبراج ولا بالمولات، بل بالمصانع التي صنعت سياراتها وإلكترونياتها. ألمانيا رسّخت مكانتها عبر صناعات الحديد والهندسة والآلات. وكوريا الجنوبية تحولت من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية بفضل مصانع الهواتف والسيارات والسفن.
نحن في المملكة نملك فرصة ذهبية مع رؤية 2030، حيث بدأت الدولة بالفعل في بناء مصانع متطورة وصناعات نوعية في مجالات الدفاع، والدواء، والطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية. هذه المشاريع ليست مجرد مصانع، بل أساس لنهضة صناعية تُقلل اعتمادنا على الاستيراد، وتضعنا في موقع المنافسة العالمية.
ومن هنا تأتي المسؤولية المشتركة؛ فالمستثمر مطالب بأن يوازن بين بناء الأبراج التجارية وبين الاستثمار في المصانع، والمجتمع عليه أن يُقدّر قيمة الصناعة كركيزة للازدهار. فالعقار يزين المدن، لكن الصناعة هي التي تصنع الاستقرار الاقتصادي وتؤمن المستقبل للأجيال.
إن الأمم تُقاس بقوة مصانعها قبل أبراجها، وبما تنتجه أيادي أبنائها قبل ما تستهلكه أسواقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *