مقالات الكتاب

الأب.. جبلٌ من الحنان والقوة

عندما كنت صغيرة، كانت الفرحة لا تسعني كلما نزلت من غرفتي لأجد والدي جالسًا في مجلسه المعروف؛ تارةً يمسك مصحفه، وتارةً صحيفة، وأحيانًا لا يمسك شيئًا سوى أن عقله منشغل بأمور الحياة. كنت أراه شامخًا كالجبال، صامتًا لكنه يحمل في داخله من الحكمة ما يفيض، ومن الطمأنينة ما يزرع الأمان في قلبي.
ومع مرور السنوات، بدأت علامات الكبر تلوح على ملامحه، كما هو حال كل إنسان قدّم عمره وجهده في سبيل أسرته. لكن رغم تغيّر مظهره، بقي في عيني هو الأب العظيم، السند الذي لا يتكرر، والقدوة التي لا تزول.
الأب ليس مجرد شخص في حياتنا، بل هو قصة صبر وكفاح، هو المظلة التي تحمينا من تقلبات الأيام، وهو الدعاء الصادق الذي يسبقنا في كل دروبنا. يكفي أن ننظر إلى تضحيته لنفهم معنى العطاء الحقيقي، ويكفي أن نتأمل صمته لنوقن أن في داخله محيطًا من الحب لا ينضب.
وللأب حضور يتعدى حدود البيت والأسرة؛ فهو المعلم الأول في حياتنا، والمثال الذي نحتذي به في الصبر والشجاعة، والمرشد الذي يوجهنا بخبرة التجارب دون أن نعي أحيانًا حجم ما يبذله من جهد. في صمته، نتعلّم الصبر، وفي نصائحه، نكتسب الحكمة، ومن مجرد وجوده نشعر بالأمان والطمأنينة التي لا تضاهى.
إنه الأب.. الجبل الذي وإن انحنت قامته مع العمر، يظل ثابتًا في قلوبنا، لا تهزّه الأيام، ولا تنقص مكانته السنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *