كلمة العصر السحرية هي الإبداع.. تلك الكلمة التي أخذت قلبي وعقلي ووجداني منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما حضرت مؤتمر ASTD” الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير” وكان من بين المتحدثين السيد نيد هيرمان، الذي تحدث عن المخ البشري المتكامل؛ باعتباره مصدر الإبداع المشع. عندها شعرت بيقين أن مستقبل البشرية يكمن في الإبداع والابتكار، وحين عدت إلى وطني زرعت البذرة الأولى لهذا المفهوم، من خلال محاضرة ألقيتها في افتتاح المؤتمر السنوي لقادة الخطوط السعودية بمدينة الطائف، وبدعم وتأييد من مدير عام المؤسسة آنذاك الكابتن أحمد مطر، أدخلنا مناهج الفكر الإبداعي للسيد دوبونو في جميع برامج التدريب، واعتمدنا برامج تحفيزية لتغذية الفكر الخلاق داخل المؤسسة، وتوالت جهودنا في نشر طرق التفكير الابداعي من خلال المحاضرات عن الابداع والمخ البشري في العديد من المؤتمرات داخل المملكة وخارجها. تذكرت تلك اللحظات قبل أيام أثناء حضوري أمسية علمية ثقافية للدكتور عبدالله بانخر محاضرًا عن اقتصاديات الإبداع، وكان يدير الندوة الإعلامي المتألق الأستاذ عدنان صعيدي. وبعد مرور ما يقارب خمسين عامًا على ريادة الخطوط السعودية في تبني مفهوم الإبداع تحول هذا العلم إلى نهج اقتصادي واسع يخترق العالم بصناعاته وخدماته وثقافاته وعلومه. وأصبحت أرى أن القرن الحادي والعشرين هو قرن اقتصادات الإبداع؛ بل أميل إلى اعتباره من أهم موارد الاقتصاد الحديث. فالعالم لم يعد يقف عند حدود الاقتصاد المعرفي، بل انتقل إلى الاقتصاد الإبداعي الذي يمنح للأفكار قيمة اقتصادية، ويحوّل المعرفة إلى ابتكار وصناعات وأسواق جديدة. إن الإبداع اليوم يتجاوز الفنون والآداب؛ ليصبح أساسًا في بناء اقتصادات الدول وإستراتيجيات المنظمات ومناهج التعليم. إنه وسيلة لخلق فرص عمل جديدة وصياغة هوية ثقافية عالمية، وتحقيق التنمية المستدامة؛ فالمجتمعات التي تستثمر في الإبداع عبر تطوير التعليم، وتمكين الشباب، وحماية الملكية الفكرية، وإنشاء مراكز للابتكار قادرة على بناء اقتصاد قوي قائم على الأفكار لا على الموارد الطبيعية وحدها. والمنظمات التي تفتح المجال أمام التفكير الخلاق وتحتضن المخاطرة، وتكافئ الابتكار تستطيع مواجهة التغيرات السريعة في الأسواق وتحقيق الاستمرارية. أما على صعيد التعليم؛ فالمناهج التي تغرس في الطلاب مهارات النقد والتحليل والخيال، قادرة على إعداد جيل يقود صناعات الغد. لقد بات الإبداع ثروة إستراتيجية لا تقل أهمية عن النفط أو المعادن؛ بل يتفوق عليها بقدرته على التجدد. وهو ليس مجرد خيار أمام المجتمعات. بل ضرورة للبقاء والمنافسة في عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة؛ فالإبداع هو بالفعل كلمة العصر السحرية ومورد المستقبل الذي لا ينضب.
الإبداع
