قدّم الهلال درساً بليغاً في احترام المنطق الرياضي؛ حين فضّل مصلحة لاعبيه على الركض وراء بطولة السوبر السعودي، بعد أن أنهكته المشاركة العالمية، وبلوغ دور الثمانية في مونديال الأندية. منح لاعبيه الراحة الإجبارية التي يستحقونها، وقرر الاعتذار من ركض محموم يسبق الموسم بأكثر من أسبوع. قرار الأزرق كان طبيعياً ومنسجماً مع اللوائح، وكأنه سلّم الكعكة لبقية المنافسين قائلاً لهم: “خذوها إن استطعتم”.
لكن الهلال، حين ترك لهم الميدان، لم يتركوه وشأنه؛ إذ تفنن المنظمون في صناعة العقوبات، وحاولوا تضييق الخناق عليه بقرارات- بدت وكأنها- تهدف لمعاقبته لا لتنظيم البطولة، أو تقدير موقفه البطولى فيما حققه من نتائج مع الفرق العالمية. المشهد كله أعطى إيحاءً أن الطريق يجب أن يُمهد، تحت شعار مصلحة الكرة السعودية، وكأن البطولات تمنح؛ وفق الأهواء، لا وفق ما يفرضه المستطيل الأخضر.
غير أن كرة القدم لا ترحم الحسابات المسبقة، فجاء الأهلي ليرسم سيناريو مغايراً تماماً. دخل البطولة بثقة هادئة، واستغل انشغال الجميع بتصوير النصر بطلاً قبل الأوان، ثم قلب الطاولة في الملعب، وخطف الكعكة من بين أنياب خصمه. لقد جاءت عدالة السماء لتنصف جهده، وتعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي.
خيبة الأمل كانت مدوية داخل البيت النصراوي، فكل شيء كان مهيأً لرونالدو وابن جلدته المدرب خيسوس ليحتفلا بلقب بدا في المتناول، لكن النتيجة عكست الحقيقة. الألقاب لا تُصنع بالأسماء الرنانة ولا بالدعاية المفرطة، بل تُنتزع بالعرق والانضباط. الحسرة مضاعفة؛ لأن الهزيمة جاءت في بطولة اعتُبرت فرصة ذهبية للنصر؛ لتثبيت حضوره بعد كل الدعم والتسليط الإعلامي.
أما الأهلي، فقد حوّل البطولة إلى منصة عودة كبيرة. الفوز لم يكن مجرد كأس جديدة، بل إعلان قوي أنه حاضر للمنافسة، وأنه قادر على هدم كل الروايات المرسومة مسبقاً. كان السوبر بالنسبة له لحظة استعادة للمكانة، ورسالة صريحة أن الزمن قد يتغير، لكن الكبار لا يغيبون طويلاً.
وهكذا تحولت بطولة السوبر إلى مرآة حقيقية للواقع، الهلال عوقب لأنه مارس حقه المشروع. النصر اكتشف أن الألقاب لا تأتي بالتهيئة الإعلامية، والأهلي أثبت أن الملعب هو الحكم الأول والأخير.
في النهاية، يبقى المشهد الأوضح والأكثر صدقاً” الهلال تركهم، لكنهم لم يتركوه” ومع ذلك، جاءت البطولة لتقول كلمتها بإنصاف، فابتسمت للأهلي وأهدته الكعكة من فم النصر، في قصة ستظل طويلاً حديث الشارع الرياضي، اللافت حتى لو احاطت بالهلال الظروف الصعبة، يظهر الاتحاد، ولو غاب هذا العميد، تتجلى قلعة الكؤوس الأهلي وهكذا تستمر المعادلة الصعبة.
الهلال تركهم ولم يتركوه
