منذ أن أعلنت المملكة رؤيتها 2030، لم يعد الفضاء حلمًا بعيدًا، بل صار بندًا رئيسيًا في أجندة الاستثمار والمعرفة والتقنية. العالم يتسابق نحو المدار، لا بوصفه ميدانًا للخيال، بل بوصفه سوقًا جديدًا للاتصالات، والطاقة، والاستيطان الصناعي. والسعودية – بقدراتها الاقتصادية وعمقها الإستراتيجي- لا يمكن أن تبقى متفرجة على هذا السباق.
لقد دخلت المملكة فعليًا عالم الفضاء عبر إطلاق الأقمار الصناعية، وتدريب رواد فضاء سعوديين، وعقد الشراكات مع وكالات ومراكز بحثية كبرى. غير أن الفضاء ليس صواريخ ومركبات فقط، بل هو قبل كل شيء تشريعات وأنظمة؛ فالمستقبل لن يرحم الدول التي لم تضع قوانين تسبق الصواريخ.
وهنا يبرز السؤال المؤلم: أين هو المجلس الأعلى للفضاء؟ لقد أعلن عن تأسيسه قبل أعوام بقرار رسمي، لكن حتى اليوم لا مقر معلن له، ولا عنوان مسجل في البريد السعودي، وكأن الفضاء وجد طريقه أسرع إلى المدار من أن يجد هذا المجلس طريقه إلى بناية رسمية أو صندوق بريد. كيف يمكن أن تُبنى سياسات وتشريعات، ولا جهة تنظيمية معلنة تعطي الطمأنينة للمستثمرين والباحثين؟
العالم يتحرك بسرعة الضوء. الولايات المتحدة وقعت”اتفاقيات أرتميس” لتنظيم استغلال الموارد القمرية. لوكسمبورغ وسنغافورة أصدرت قوانين لاستثمار التعدين الفضائي. حتى الإمارات وضعت تشريعات واضحة للأنشطة الفضائية. أما نحن فما زلنا ننتظر مقرًّا يُعلن للمجلس، وهو الذي يفترض أن يقودنا في سباق التشريعات.
الفراغ التشريعي أخطر من الفراغ الفضائي. لأن غياب الأنظمة يجعل المستثمر مترددًا، ويجعل الشركات الناشئة متخوفة من أن تدخل قطاعًا بلا بوابة واضحة. لا يمكن أن يُبنى اقتصاد فضائي واعد، ونحن لا نعرف حتى عنوان المجلس المنوط به تنظيم هذا القطاع.
السعودية قادرة على أن تكون رائدة إقليميًا وعالميًا في الفضاء، لا بالمال وحده، بل بتشريعات حديثة تفتح المجال لشركات محلية وعالمية. لكن البداية الحقيقية ليست صاروخًا يطلق، بل مؤسسة معلنة، ومقر واضح، وقوانين تحمي الحلم وتحوّله إلى اقتصاد.
فالفضاء بلا تشريع يظل فراغًا. والطموح بلا عنوان يبقى معلقًا في الهواء. والمجلس الأعلى للفضاء- حتى يعلن مقره ويباشر عمله – يظل اسمه أكبر من أثره. والسؤال: متى يكون للفضاء في السعودية “عنوان على الأرض” قبل أن يكون له مدار في السماء.
lewefe@hotmail.com
